باكستان تقف على مفترق طرق.. وخطورة هذا الموقف هي التي دفعتني، وبناء على إصرار من حزبي "حزب الشعب الباكستاني" إلى الترشح لمنصب الرئيس في الانتخابات التي ستجرى يوم السبت المقبل. وأنا وأبنائي، لازلنا حتى الآن نتحسَّر على فقدان قائدتنا المحبوبة، الزوجة والأم، "بينظير بوتو" التي راحت ضحية الإرهاب والغدر. والقرار الخاص بترشحي لخوض الانتخابات لم يتخذ بلا تروٍّ، وإنما اتخذناه، ونحن ندرك تماماً مدى المخاطر والتحديات التي تنتظرنا. ولعل أهم تلك التحديات والتهديدات قاطبة هو ذلك الذي يمثله الإرهاب الدولي، الذي تبدّى بجلاء مجدداً هذا الأسبوع، في محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء "يوسف رضا جيلاني". إن إعادة الرئاسة الباكستانية، إلى مسار الحكم الديمقراطي تعتبر خطوة هائلة في مسيرة بلادنا الانتقالية من الديكتاتورية إلى الديمقراطية.. تلك المسيرة التي أود استكمالها، والتي أدين بالفضل فيها لحزبي، وبلادي، وقبل كل شيء لزوجتي، التي فقدت حياتها، وهي تجاهد من أجل جعل باكستان دولة حرة، وتعددية، وديمقراطية. لقد كانت الحياة السياسية الباكستانية دائماً عبارة عن صراع بين القوى الديمقراطية في مختلف أنحاء البلاد، وبين قوى الأوليجاركية النخبوية المتمركزة في المنطقة الممتدة بين لاهور -وروالبندي- وإسلام أباد على وجه التحديد. ففي إطار هذا الصراع، كان يتم في معظم الحالات، تهميش أقاليم السند، وإقليم الحدود الشمالية الغربية "باشتونكوا"، وبلوشستان، بالإضافة إلى جميع المناطق الزراعية في إقليم البنجاب، واستبعادها من المشاركة في الحكم. والحال أن أغلبية الشعب الباكستاني، وعلى امتداد الوطن، قد تعرضت للتجاهل، بل وللقهر من قبل المؤسسة السياسية الباكستانية. كما أدى هذا التركيز للسلطة المطلقة، إلى إرهاق حكومتنا بدرجة أوشكت معها على التمزق. وغني عن التذكير أن "حزب الشعب" الباكستاني، هو الحزب الوحيد الذي يحظى بالتأييد في أقاليم البلاد الأربعة، بالإضافة إلى إقليم كشمير والمناطق القبلية التي تديرها الحكومة الفيدرالية. ولاشك أن نجاح الحزب في عملية دمقرطة مؤسسة الرئاسة، سيعزز من قدرات باكستان على البقاء كأمة. وبموجب الدستور الباكستاني، يعتبر الرئيس هو رأس الدولة، وإن كان لا يشارك مع ذلك في إدارة الشؤون اليومية للحكم. ولكن هناك مستبدين عسكريين سابقين هما "محمد ضياء الحق" و"برويز مشرف" أعادا صياغة الدستور من أجل تعزيز سلطتيهما، من خلال توسيع نطاق سلطات الرئيس، بحيث تشمل سلطة إقالة الحكومات المنتخبة ديمقراطياً. وإذا ما انتُخبتُ رئيساً، فإن إحدى أهم أولوياتي، ستكون دعم رئيس الوزراء، والجمعية الوطنية، ومجلس الشيوخ من أجل إصلاح الدستور، وإعادة صلاحيات الرئاسة إلى توازنها الصحيح، وهو ما سيؤدي إلى تقليص قدرتها على إسقاط الحكومات الديمقراطية. ومن الضروري في هذا السياق، أن تتم إعادة تأسيس القضاء المستقل للأمة الباكستانية. ويسعدني القول إن القضاة الذين تمت إقالتهم بشكل تعسفي من قبل "مشرف" في نوفمبر الماضي تجري حالياً إعادتهم إلى منصات العدالة، بواسطة الحكومة التي يقودها حزبي. وفي اعتقادي، أن البرلمان يجب أن يعمل على تفعيل نظام للإصلاح القضائي، لضمان اختيار القضاة في المستقبل بناء على معيار الاستحقاق وحده وليس أي معيار آخر. وحزب الشعب الباكستاني، والقوى الأخرى المصطفة معه، ملتزم التزاماً لا رجعة فيه، بمبدأ استقلالية القضاء، المضمون من قبل البرلمان، والمتوافق مع الدستور، وغير الخاضع للضغط السياسي من أي جهة كانت. إنني ملتزم بباكستان الديمقراطية، والمعتدلة، والتقدمية. وآرائي المتعلقة بمواجهة، واحتواء الإرهاب معروفة جيداً للكافة.. وسأعمل بموجبها من أجل هزيمة تمرد "طالبان" المحلي، لضمان عدم استخدام الأراضي الباكستانية في شن هجمات على جيراننا، أو على قوات "الناتو" في أفغانستان. ومن المهم أن نتذكر كذلك أن باكستان أيضاً ضحية للإرهاب، حيث يموت جنودنا على الخطوط الأمامية، ويتعرض أطفالنا للتفجير على أيدي المهاجمين الانتحاريين في عمليات بشعة، وهو ما يجب أن يدفعنا للوقوف مع الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأسبانيا، وغيرها من الدول التي تعرضت لهجمات إرهابية. ومع ذلك، فإن الحرب التي نخوضها هي حربنا في الأساس. فهي معركة تدور من أجل روح باكستان أولاً وأخيراً. ويجب ألا ننسى هنا أن موقف زوجتي الصلب، وتصميمها على هزيمة الإرهاب، هو الذي كلفها حياتها. ولكن ذلك، لن يصرفنا أنا وحزبي، عن مواصلة النضال من أجل إنقاذ أمتنا. لعل الجميع يتذكر أنني قد قضيت تسع سنوات في السجن كرهينة لمستقبل زوجتي المهني، ومستقبل حزبي، وأنني سُجنت بناء على تهم لا أساس لها من الصحة، تم الاعتراف الآن بأنها كانت مدفوعة بدوافع سياسية. وعلاوة على ذلك فإنني لم أدن بأي شيء، على رغم أنني قد حوكمت بواسطة قضاء كان خاضعاً لسيطرة خصومي. وليس هذا فحسب بل لقد تلقيت، وأنا في السجن، عروضاً لا حصر لها، تغريني بالحرية في مقابل خيانة زوجتي، وخيانة مبادئنا، وخيانة حزبي ولكنني رفضتها جميعاً. وعلى رغم ذلك كله، فإن تلك السنوات جعلت مني شخصاً أصلب عوداً، وقوّت من عزيمتي على القتال من أجل الديمقراطية. لقد كنت أتمنى أن أفعل ذلك بجوار زوجتي، ولكن رحيلها فرض عليّ أن أحل مكانها في تحقيق ذلك. إن قوى الديكتاتورية التي هيمنت على باكستان طويلاً، تبحث الآن عن شركاء من أجل زعزعة استقرار الحكومة الديمقراطية. وفي هذا الإطار أطلقت قوى المؤسسة وحلفاؤها سيلاً من الهجمات الشخصية ضدي، وضد زوجتي، بل وضد أبنائنا. وما يقومون به في هذا الشأن، يتفق مع سياسة التدمير الشخصي، والاغتيال المعنوي، التي دأبت النخب الحاكمة على ممارستها لما يزيد على 30 عاماً. لكن الشعب الباكستاني كان يرفض دائماً مثل هذه الحملات الشخصية ويدعمنا في الانتخابات الحرة.. وعلى رغم ضراوة تلك الهجمات، فإننا نعلن أننا سنواصل الوقوف بصلابة وحزم ضد قوى الديكتاتورية، كائنة ما كانت. إن عائلتي كانت تدفع دائماً أقصى ثمن يتطلبه الالتزام بالديمقراطية. لقد كانت انتخابات الثامن عشر من فبراير الماضي خطوة مهمة في عملية انتقال باكستان إلى الديمقراطية. وأتمنى، من قلبي أن تكون الانتخابات الديمقراطية التي ستجرى يوم السبت، بمثابة التتويج النهائي لانتصار الديمقراطية على الديكتاتورية، وأن تتيح -على المدى الطويل- الفرصة لبلادي لهزيمة التهديد الإرهابي، ومعالجة احتياجات الشعب. ــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"