في بداية الاتفاق حول السوق الخليجية المشتركة عبَّر بعض المراقبين عن شكوكهم حول تحقيق هذا الهدف، على اعتبار أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تملك القاعدة الإنتاجية التي تؤهلها لزيادة التبادل التجاري فيما بينها، مما يعيق إيجاد كتلة اقتصادية متكاملة. وقارنوا ذلك، بالاتحاد الأوروبي، حيث تتم 80% من التجارة الخارجية بين بلدان الاتحاد نفسه، أو ما يسمى بلغة الاقتصاديين التجارة "البينية"، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 6% خليجياً في عام 2003 أي عند انطلاق الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن وجهة النظر هذه لم تكن دقيقة لاعتبارات عديدة، أولها أن دول المجلس في ذلك الوقت ركزت وعلى مدى ثلاثة عقود على إقامة البنية التحتية اللازمة لإقامة وتنمية قطاعات إنتاجية في بعض المجالات، كما أن غياب تعريفة جمركية موحدة أعاق تنمية التبادل التجاري البيني في دول المجلس. ولاشك أن التطورات التي أعقبت تطبيق الاتحاد الجمركي والإعلان عن السوق الخليجية المشتركة أكدت وجهة النظر القائلة بإمكانية تنمية التبادل التجاري البيني بعد اتخاذ هذه الخطوات، إذ بالإضافة إلى ذلك شهد الإنتاج الصناعي في دول المجلس تطورات مهمة، وبالأخص إنتاج مواد البناء والمواد الغذائية والأجهزة الإلكترونية والكهربائية والمستلزمات المنزلية. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع التبادل التجاري البيني بين دول المجلس من 6% في عام 2003 إلى 12% في العام الماضي، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 15% في عام 2010 و20% في عام 2015 و25% في 2020. والحقيقة أن التنوع السلعي مسألة مهمة للسوق المشتركة، وهي قضية مطروحة على بساط البحث، فهناك تشابه كبير بين الاقتصادات الخليجية، إلا أن هذه القضية يمكن حلها من خلال التنسيق، بدليل التقدم الذي أحرزته دول المجلس في هذا المجال في السنوات الخمس الماضية. إن ما يعيق التبادل التجاري الخليجي البيني في الوقت الحاضر ليس فقط نقص السلع التي يمكن تبادلها، وإنما هناك معوقات أخرى لا تقل أهمية، فالعوائق الجمركية الإدارية والتنقل بين الحدود مسألة شائكة لا تزال تعاني منها دول المجلس، فهناك مئات الشاحنات المحملة بمختلف أنواع السلع تصطف في طوابير طويلة انتظاراً لعبور الحدود بين دول المجلس. وللأسف، فإن الكثير من هذه السلع يصاب بالتلف نتيجة لعمليات الانتظار هذه، مما يكبد الشركات المنتجة والتجار مبالغ طائلة ويؤدي إلى إعاقة تنمية التبادل التجاري البيني، علماً بأن إجراءات التفتيش الجمركي ودقته متشابهة إلى حد التطابق في كافة دول المجلس، والتي تحرص جميعها على حماية أسواق بعضها البعض من أية تجاوزات تجارية أو أمنية. ولابد من الإشارة إلى أن طوابير الشاحنات لها تكلفة اقتصادية كبيرة وتأثيرات سلبية على استكمال مقومات السوق المشتركة، فأساسيات هذه السوق تتطلب تسهيل انتقال السلع والخدمات بين البلدان الأعضاء، تلك القضية المهمة التي لا تجد لها انعكاسات في مراكز الجمارك، فعند الانتقال من الكويت إلى عُمان على سبيل المثال، فإن الأمر يتطلب المرور بنفس الإجراءات في أربعة مراكز حدودية وتعبئة نفس البيانات والإجابة على نفس الأسئلة، علماً بأن التقنية الجديدة من خلال الحاسب الآلي يمكنها حل هذه القضية بسهولة إذا ما تم ربط دوائر الجمارك فيما بينها. هل يمكن توحيد هذه الإجراءات والاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال، حيث يمكن قيادة الشاحنة من أسبانيا في الجنوب إلى فنلندا في الشمال قاطعة مئات الكيلومترات دون أن تضطر إلى التوقف، في حين لا تتجاوز المسافة بين السعودية والبحرين 25 كيلومتراً، إلا أن وقت تخليص إجراءات الجمارك يستغرق خمسة أضعاف وقت مسافة السير. ومع هذا فإن الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة إنجازان بكل المقاييس ومن حق دول المجلس أن تفتخر بهما، إذ لم تستطع أي مجموعة عربية أو غير عربية من بين بلدان العالم النامي أن تحقق ذلك، فهذه إنجازات من طبيعة البلدان المتقدمة، كالاتحاد الأوروبي و"النافتا"، لأنها تحتاج لعقلية مرنة وحكيمة، وهو ما تأخذ به دول المجلس، بدليل السعي الحثيث لإصدار العملة الموحدة. ومن المطلوب استكمال مقومات هذه الاتفاقيات وتقديم التسهيلات اللازمة لتطبيقها بالصورة التي تخدم تطور الاقتصاد الخليجي، فالسلع التي تأتي من خارج دول المجلس يمكن الاكتفاء بتخليص إجراءاتها الجمركية عند دخولها إحدى دول المجلس، أي اعتماد نقطة العبور الواحدة، وهو نص موجود في اتفاقية الاتحاد الجمركي. أما السلع المنتجة في دول المجلس، فمن المفترض ألا تواجه أية معوقات جمركية، على اعتبار أنها تتحرك في نطاق سوق واحدة. هذه مسألة ممكنة، بل إنها قادمة، إلا أن التعجيل بها يقدم خدمة كبيرة لتنمية إنتاج السلع الخليجية في كافة دول المجلس، وهو ما سيؤدي إلى زيادة التبادل التجاري البيني وإنجاح السوق الخليجية المشتركة.