قبل أن نوجه اللوم، نحن الخليجيين، إلى إيران على تعنتها في سياساتها ضدنا واستخدامها لغة مزدوجة معنا، علينا أن نلوم أنفسنا لأننا قصرنا في التعامل الجيد والاهتمام المفروض لفهم إيران الفارسية على حقيقتها، واعتقدنا أن لغة الود والتسامح ومسك العصا من الوسط في خلافاتنا معها، يمكن أن تؤدي إلى تقريب وجهات النظر وتقريب "المسافة السياسية" بيننا وبين قادتها. في الأصل تركنا إيران بسياساتها تصول وتجول في مزاعمها الإقليمية وهي تواصل احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث (أبوموسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى) حتى بدأت الخطوات العملية في تغيير الواقع الديمغرافي والطوبوغرافي والإداري في بعضها، ثم انتقلت لتطالب صراحة بدول إقليمية هي جارة لها باعتبارها أراضي إيرانية في الأصل! بل اعتبرت أن الأنظمة السياسية في الخليج هي سبب خلافها مع الغرب، وبالتالي يجب إسقاطها، هكذا دون مواربة أو خجل! لا أعتقد أن تلك التصريحات والسلوكات الإيرانية، وبالطريقة المتعنتة ضد دول مجلس التعاون، قد جاءت من فراغ، أو أنه لم تكن لها مقدمات من قادة إيران. فقد قام هؤلاء بجس النبض ليجدوا إمكانية التوسع في مزاعمهم وسلوكياتهم، لأنه لا يوجد موقف خليجي واحد وواضح ضدهم وبالشكل الذي يوقفهم. لذلك علينا أن نتوقع الأكثر، فالسياسة الإيرانية توسعية وهي ذات مطامع إقليمية، بل لها أيادٍ في العديد من الدول العربية. وإيران في الحقيقة تريد أن تؤكد بين الفترة والأخرى على سوء نيتها تجاه دول الخليج، ربما اعتقاداً منها بأن أبناء الخليج غير مدركين لما تقوم به ولما تكنه من نوايا ضدهم. السلوك السياسي الإيراني هو مقدمات لما تختزنه النفس الفارسية تجاه عرب الخليج، وهو سلوك يدحض أية نية حسنة يمكن أن ينطقها المسؤولون السياسيون الإيرانيون في محاولاتهم إقناع المسؤولين الخليجيين بنواياهم "الحسنة" و"السليمة" وراء امتلاك "النووي" أو تصدير الثورة. وهذا يؤكد أنه رغم وجود التواصل السياسي من خلال تبادل الزيارات، ورغم أهمية ذلك، إلا أنها في الواقع لا تتعدى المراسم الاستقبالية، لأن الخلافات تزداد مع مرور الوقت بل تصل في أحيان كثيرة إلى قضايا معقدة ومتشابكة. الغريب أن المواقف الخليجية إزاء كل السلوكيات الإيرانية المستفزة، وآخرها افتتاح مكتبين في جزيرة أبوموسى، تكتفي غالباً برد الفعل الإعلامي. صحيح أن الموقف الخليجي هذه المرة كان أكثر وضوحاً في ما يخص الجزر الإماراتية المحتلة، لكنه لم يصل إلى حد الطموح والمفروض الذي يجب أن يكون، حيث غالباً ما كانت الردود ضعيفة، لكننا في الأساس لا نكون فاعلين معها بما يترك لها المجال كي تقوم بما تريده، رغم أن دول الخليج لو قامت بما يلزم ضد إيران، خاصة في المجال الاقتصادي، لاستطعنا التأثير فيها. فالإمارات بشكل خاص تعتبر "الرئة الاقتصادية" لإيران ونافذتها على الخارج. ملف العلاقات الخليجية الإيرانية وفق التطورات الأخيرة، يحتاج إلى مراجعة باعتبار أن الزيارات التي تمت مؤخراً، وكنا نعتقد أنها خففت بعض الاحتقان الإيراني ضد عرب الخليج، لم تحقق ذلك. من هنا فإن أية مراجعة لا بد أن تضع في اعتبارها أن الطرف المستفيد حالياً هو إيران، ومع ذلك لا يريد مسؤولوها أن يعترفوا بذلك، بل يعملون على إنكار كل إيجابيات الموقف الخليجي في أزمتهم مع المجتمع الدولي. آن الآون لنا كي نكون أكثر صراحة تجاه السياسات الإيرانية، بل هو أمر لا يجب السكوت عليه تحت أي مبرر. خطر المزاعم الإيرانية في الوقت الحالي حقيقة، وهو خطر له أبعاده السياسية، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يعتبره مجرد "افتراضات" خاصة في ظل وجود نظام سياسي ينطلق من عقيدة أيديولوجية أصولية ومواقف سياسية متشددة تجاه جيرانه السنة. والغريب في الأمر أنه رغم كل المخاطر الإيرانية تجاهنا، فإننا غير مدركين لحجم ما تمثله السياسات الإيرانية على أرض الواقع، لذا تجدنا نختلف حتى في تناولنا لها.