على الرغم من الانتقادات الحادة التي وجهها كلُّ منهما إلى رد فعل الآخر على الغزو الروسي لجورجيا، فالواقع هو أن "باراك أوباما" و"جون ماكين" يتفقان على السؤال الجوهري الذي يطرحه هذا الغزو. وهذا الاتفاق يعتبر من حسن حظ أميركا، خصوصاً وأن احتمال ترشيح الحزبين الرئيسيين لمرشّحين ملتزمين بالدور الأميركي الرائد في الدفاع عن التكامل الترابي والطموحات الديمقراطية للدول الصغيرة البعيدة، لم يكن احتمالاً مضموناً. يعود السبب في ذلك إلى وجود العديدين في الحزبين- على الرغم مما سبق- ممن يتشككون في هذا الالتزام في الأصل. فالبعض يعتقد أن سلوك أميركا في الماضي، وبدءاً من الحرب الأسبانية- الأميركية وانتهاء بحرب العراق، لا يجعلها مؤهلة لإخبار الآخرين عن الطريقة التي يتعين عليهم التصرف بها. والبعض الآخر يرى – كما قال "تيد ستريكلاند" حاكم ولاية "أوهايو" في الأسبوع الماضي- أننا يجب أن نتفهم مصالح روسيا ورغباتها في" مجال نفوذها". وهناك غيرهم من يخشى أن تجرّ رجل أميركا المتورطة بالفعل في العديد من المآزق في مختلف أنحاء المعمورة في صراعات من قبل حلفاء لا يمكن التنبؤ مسبقاً بتصرفاتهم، ولا يمكن التحكم فيها. لا يمكن النظر إلى أي حجة من تلك الحجج على أنها تافهة أو فارغة من المعنى لأن الحقيقة هي أن القدرة على التعامل مع روسيا التي ازدادت نزعتها العدوانية مؤخراً، يشكل تحديات لم يبدأ أي من مرشحي الرئاسة- مثلهما في ذلك تماماً مثل بوش- في إعداد العدة لمواجهتها. بيد أن كلا من أوباما وماكين اصطفا وراء الفكرة القائلة بأن الدول يجب أن تنعم بالحرية في تقرير مصيرها، وفي رسم خريطة مستقبلها، وأن الولايات المتحدة يجب أن تساعدها على ذلك. وعلى رغم أن الولايات المتحدة لم تكن تقوم بذلك على نحو متسق، فإن هذا المبدأ في حد ذاته كان مبدأً رئيسياً من المبادئ التي تَمسك بها الرؤساء "الجمهوريون" و"الديمقراطيون" الذين تولوا الحكم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وخلال فترة الحرب الباردة التي سبقتها. طالما أن الأمر كذلك، فما السبب الذي يدعو المعسكرين إلى تبادل الاتهامات واستهجان التصريحات والبيانات التي يدلي بها أو ينشرها كل منهما؟. ففي الثامن من أغسطس الماضي، عندما بدأ القتال بين روسيا وجورجيا اتهم القائمون على حملة "أوباما" "ماكين" بأنه قد تصرف من واقع عقلية الحرب الباردة التي لا يزال محتفظاً بها عندما سارع بتوجيه الانتقادات لروسيا. هذا الاتهام سخيف للغاية، لأن "ماكين" قرأ الموقف قراءة صحيحة – وهو ما عكسه خطاب "أوباما" التالي- الذي جاء بعد خطاب "ماكين" بعدة ساعات، والذي أكد على ما جاء في خطابه. من جانبه رأى معسكر "ماكين" أن استجابة أوباما الأولية( غير المتحيزة) تعكس عدم خبرة، كما تعكس نوعاً من التشوش المعنوي، وهو ما يمكن اعتباره قراءة متعسفة ومتعجلة لتصريح أوباما الذي سارع بتصحيحه. ويمكن النظر إلى هذه الاتهامات بين المعسكرين على أنها تمثل نموذجاً لاتهامات أخرى منها مثلاً أنه يمكن لـ "أوباما" أن يصور "ماكين" على أنه داعية حرب خطر، وأن يرد "ماكين" على ذلك بتصوير "أوباما" في صورة المروج الساذج لدبلوماسية بلا أسنان. ويمكن لتلك الاتهامات أن تتواصل على هذا النحو كما يمكن لبوتين الذي زرع نفسه بالفعل في حقل السياسات الأميركية بطريقة فجة ، أن يلعب دور البطولة في هذا المشهد. بالنسبة لمعسكر "ماكين"، ساعد "بوتين" على تذكير الناخبين الأميركيين على أن التاريخ من وقت لآخر ينجب رجالاً رديئين- مثله- قد لا يحقق الحوار العقلاني معهم أي نتيجة في حين أن المعسكر المقابل- معسكر أوباما- يؤكد على أهمية الحديث مع هذا النمط من الرجال. على رغم كل ما حدث، فإن مستشاري أوباما يرون أن الموضوع قد يعمل لمصلحتهم، إذ ليس هناك أحد- كما يقولون- يقترح نشر قوات عسكرية أميركية في جورجيا، وهو ما يجعل تلك الأزمة تقدم دليلاً على أهمية استخدام أدوات أخرى مثل الدبلوماسية المفتولة العضلات والتحالفات القوية. ولو لم يكن جورج بوش قد قام بإضعاف تلك التحالفات، ولو لم يكن قد أساء قراءة بوتين، لكان لدى الولايات المتحدة الآن خيارات أكثر في التصدي لروسيا. وهم يرون أن أوباما مهيأ بشكل أفضل من ماكين لإعادة تجديد وإحياء الوسائل غير العسكرية. من بين هذه الأطر المتنازعة، قد يبزغ حوار مفيد عن الاستجابات القوية المتماسكة. فقد يختلف المعسكران حول إعادة تسليح جورجيا، وحول الطريقة التي يمكن أن يتم بها ذلك- كما كتب زميلي "جيم هوجلاند" قبل يومين، وقد يختلفان أيضاً حول التوازن الصحيح بين إجراءات عقاب روسيا وإجراءات ردعها سواء من ناحية العقوبات، أو من ناحية الاستبعاد من المنتديات الدولية وغير ذلك من إجراءات، وأيضاً حول الطريقة المثلى لتعزيز وضع أوكرانيا وتشجيع استقلال أوروبا عن النفط والغاز الروسي. ولكني آمل مع ذلك، ألا يؤدي الحوار بين المرشحين الرئاسيين حول "من الذي فقد أوسيتيا الجنوبية" والطريقة المثلى للاستجابة لذلك، أن يؤثر على الاتفاقات الجوهرية فيما بينهما. فهما يفهمان أنه من مصلحة أميركا أن تساعد على بقاء الديمقراطية على قيد الحياة في جورجيا، كما يدركان أيضاً أن المجرم الأول في المسألة لم يكن جورجياً ولا جورج بوش. لذلك كله يجب ألا تترك أي فرصة لبوتين، كي يسيء فهم، هذه التفاهمات المتبادلة بين المعسكرين. فريد حياة كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"