عادت أميركا إلى الحرب الباردة مرة أخرى وعاد "دبليو" إلى عطلته... فيا له من تماثل غريب! فبعد ثماني سنوات، لا يزال الرئيس كما كان، وسيترك البيت الأبيض كما دخله، رجلاً يتجاهل الحقائق، ويخفق في التنبؤ، ويعجز عن منع وقوع الكوارث، أو حتى عن الاستعداد لها، ويسيء تفسير تقارير الاستخبارات، ويضلل الناس، ويعالج الكوارث بأساليب تجعلها أسوأ بما لا يقاس. لقد أمضى بوش 469 يوماً من رئاسته في الاسترخاء والراحة في مزرعته في كروفورد، و450 يوماً في منتجع "كمب ديفيد"، ولا تزال لديه الفرصة لممارسة هواية صعود المرتفعات بالدراجة! وبينما كانت القوات الروسية تواصل اعتداءاتها على جورجيا يوم الجمعة الماضي، فإن كل ما فعله بوش من أجل معاقبة القادة الروس، هو التصريح بقوله "إن ممارسة البلطجة والترويع لم تعد وسيلة مقبولة لإدارة شؤون السياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين". والحقيقة أنه كان من الممكن أن يصبح لهذه الكلمات وزن أكبر، لو لم يكن "تشيني" و"رامي" قد دشنا القرن الحادي والعشرين بعرض أخرق للبلطجة العالمية والترويع، في مدن بلدان أخرى! كنا نظن أنه بوسعنا الاعتماد على كبير المشجعين الأميركيين في أولمبياد بكين (بوش)، وهو يتواثب مع لاعبات كرة طائرة الشاطئ الأميركيات، عندما راحت إمبراطورية الشر المتجدد، ترسل طوابير من دباباتها إلى جورجيا التي ارتكب رئيسها خطأ جسيماً باستفزازه الدب الروسي. عندما قابلت "دبليو" للمرة الأولى في بداية حملته الانتخابية عام 1999، فضل أن يختار موضوع الحديث، حيث قال لي: "أعتقد أن الصين وروسيا ستكونان أكبر مشكلتين تواجهان أميركا مستقبلاً". بيد أن ما حدث عقب الحادي عشر من سبتمبر هو أن "تشيني" و"رامي" وغيرهما من "المحافظين الجدد"، غرروا ببوش وأغرقوه في وهم "العراق المدمر". وهكذا فإن ما حدث هو أنه في الوقت الذي أصبحت فيه أميركا عالقة في العراق، وتنزف بغزارة، مالياً وبشرياً، كانت الصين وروسيا تزدادان قوة. وهذه القوة المضافة هي التي مكنت الصين من شراء كثير من السلع من أسواقنا لدرجة يمكن معها القول إننا قد نتحول إلى بط بكيني ميت، إذا ما سحبت الصين استثماراتها من هذه الأسواق. وهذه القوة أيضاً، هي التي مكنت روسيا من التحول من دولة بائسة إلى دولة تعج بالمليارديرات، من خلال استغلال إدماننا على النفط. الشيء الذي أصابنا بالانزعاج ونحن نتابع جولة بوش الأخيرة في أرجاء بكين، هو أن تلك الجولة أبرزت صعود الصين كقوة عظمى، بينما نعلم أن قوة بلدنا- بفضل سياسات إدارته الاقتصادية والخارجية التي عفى عليها الزمن- تذوي تدريجياً. ورغم التصريح الذي أدلى به لي بوش عام 1999، وتنبأ فيه بأن تكون روسيا والصين دولتين رئيسيتين لتحقيق الأمن العالمي، فإنه لم يشغل نفسه كثيراً بدراسة هاتين الدولتين. ففي عام 2006، وخلال اجتماع قمة الدول الثماني الكبرى في مدينة "بطرسبرج" الروسية، التقطت الميكروفونات الدقيقة ملاحظات تافهة أدلى بها بوش لنظيره الصيني "هو جنتاو"، تدل على أنه يكاد لا يعرف شيئاً عن روسيا عندما قال له: "هذه الدولة -روسيا- مجاورة لبلدك، ولذلك لن يستغرق منك الأمر وقتاً طويلاً حتى تصل إلى دارك. كم من الوقت تستغرق رحلة عودتك إلى الصين؟ ثماني ساعات! حقاً إن روسيا دولة كبيرة وكذلك الصين أيضاً دولة كبيرة". كانت الخطة التي لعب بها بوش، هو وخبيرة الشؤون الروسية "كوندي"، مع روسيا، خاطئة منذ البداية. فبوش رأى روحاً "جديرة بالثقة" في عيون بوتين ضابط "كي جي بي" السابق، والذي لم يكن شخصاً طيباً ولو لساعة واحدة. والآن، وبينما لم يعد فريق بوش قادراً على فعل أي شيء حيال ذلك، فإنه لم يجد أمامه سوى الجعجعة حول الطريقة التي يجب بها "ألا يمضي العدوان الروسي دون رد"، حسب تعبير تشيني. هناك خبير آخر في الشؤون الروسية يعمل مع دبليو هو "بوب جيتس"، وكان الصوت الواقعي الوحيد وسط فريق بوش كما يتبين من تصريحه الذي قال فيه: "لا أرى أي احتمال لاستخدام القوة المسلحة من جانب الولايات المتحدة ضد روسيا في الظرف الحالي". فبعد أن تآكلت القوة العسكرية والمصداقية المعنوية لبلدنا إلى حد كبير، فإن "البوشيين" أصبحوا بالكاد قادرين على إيقاف روسيا عن ممارسة ما فعلوه هم في العراق، عندما غزوا هذه الدولة من أجل بث الرعب في قلوب زعماء المنطقة ممن لا يحبونهم. لقد استيقظ "بوش" و"كوندي" فجأة على ما يمثله بوتين من خطورة وشر، لكن بعد أن تأخر الوقت كثيراً. يتبين لنا ذلك، إذا ما قرأنا ما كتبه "مايكل سبكتر"، الصحفي في "نيويورك تايمز" والمتخصص في الشؤون الروسية، حول هذه النقطة: "لقد كانت هناك فترة خمس سنوات كان بإمكاننا خلالها أن نعامل روسيا كما نعامل جامايكا دون أن يترتب على ذلك أي ضرر... أما الآن فإن تلك الفترة قد انقضت، وعلينا أن نتعامل مع الروس كقوم ناضجين لديهم أسلحه نووية أكثر مما لدى الجميع، باستثنائنا نحن بالطبع". مورين داود ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز