هناك إقبال شديد ملحوظ على الحافلات العامة التي بدأت السير في شوارع أبوظبي مؤخراً، بل إن الحافلات العاملة على بعض الخطوط باتت مزدحمة في أوقات معينة بدرجة لافتة تشبه ما يحدث داخل المدن الكبرى المكتظة بالسكان. البعض يرى أن هذا الازدحام مؤقت أو مرحلي وعائد إلى مجانية الخدمة حتى ديسمبر المقبل. وقد يكون في ذلك قدر من الصحة، لكن الشواهد الحقيقية تؤكد أن "المجانية" ليست السبب الأساسي لهذا الازدحام بقدر ما يتعلق الأمر بأسباب وعوامل أخرى؛ منها أن هذه الخدمة جاءت لتسد بالفعل فراغاً قائماً وحاجة ماسة لشريحة عريضة من السكان، أضف إلى ذلك أن النقص الملموس في عدد سيارات "التاكسي" يسهم في الإقبال على حافلات النقل العام، ويجذب شريحة من ذوي الرواتب الضعيفة نحو استخدام هذه الوسيلة الجديدة في التنقل، خصوصاً أن "الحافلات" الجديدة أثبتت وجودها رغم قصر الفترة الزمنية منذ بدء عملها، كما تتجه نحو إثبات وجودها كأحد المعالم المميزة في شوارع أبوظبي، وإن كانت هناك، في هذه الجزئية، تحديداً حاجة إلى توظيف هذه الوسيلة بشكل أكثر جمالية لمصلحة تكريس "هوية أبوظبي"، بحيث يصار الأمر إلى انسجام وتناسق بين هوية أبوظبي من ناحية وهوية شبكة النقل ذاتها (الحافلات ومظلات الانتظار وملابس العاملين) من ناحية ثانية. هذا الازدحام يثير نقاشات وتساؤلات حول العديد من القضايا والموضوعات، مثل كيفية السيطرة على الزحام في هذه الحافلات بحيث تصبح وسيلة نقل جماعي قادرة على استقطاب مختلف شرائح المجتمع بدلاً من أن تلتصق بها سمات منفرة جراء الزحام المزمن وما يفرزه من سلوكيات سلبية، هناك أيضاً أمور تنظيمية تتعلق بمواقف هذه الحافلات وتحديد الأماكن المخصصة لوقوفها كي لا تكون عبئاً إضافياً على حركة السير والمرور، وكي يتاح لها أيضاً أداء دورها بالفاعلية والكفاءة المطلوبة. وهناك دعوات للإسراع في توسيع النطاق الجغرافي لتغطية شبكة النقل العام وزيادة معدلات التقاطر وتقليص الفوارق بين أتوبيس وآخر، لاسيما في المسارات المزدحمة وخلال فترات الذروة المرورية. وهناك بموازاة ذلك كله حاجة الى الإسراع في تنفيذ خطط تطوير أماكن انتظار حافلات النقل العام. على الصعيد الرسمي، هناك خطة أعلن عنها مؤخراً تشمل زيادة عدد الحافلات العامة إلى 125 بدلاً من 60 حافلة بنهاية شهر يوليو الجاري، وإضافة مسارين جديدين بخلاف المسارات الأربعة القائمة وزيادة عدد الرحلات، فضلاً عن توقيع عقد تصميم وإنشاء 550 مظلة انتظار مكيفة لحافلات النقل العام، يدخل نحو 40% منها الخدمة منتصف العام المقبل، وما يؤكد مستوى طموح هذا المشروع الحيوي أن دائرة النقل تخطط لرفع عدد الحافلات الجديدة إلى 500 حافلة ابتداء من الربع الثالث من العام المقبل ولتكون 1360 حافلة جديدة بنهاية عام 2010. الخطط المتعلقة بتطوير شبكة نقل عام عصرية تبدو مبشرة بالفعل، وقادرة على إحداث تغيير ثقافي منشود في نظرة الجمهور لهذه الوسيلة، وبما يؤدي مستقبلاً إلى الحد من استخدام السيارات الخاصة وتخفيف الزحام في الشارع المروري، لكن يبقى التركيز مستقبلاً على مظهر هذه الحافلات من حيث ضمان حسن استخدامها من جانب الركاب وسلوكيات هؤلاء الركاب ووجود حد أقصى لهم في كل حافلة بما لا يسبب تراكماً للسلوكيات السيئة والمظهر غير الملائم، خصوصاً أن إحدى الصحف المحلية الصادرة بالإنجليزية نقلت مؤخراً في تقرير لها شكوى بعض سائقي الحافلات من سوء معاملة وإساءات تلحق بهم ممن وصفوا بالركاب المحبطين، وذكرت أن هناك جدلاً ومشاحنات وتبادلاً للكمات يحدث أحياناً في بعض ساعات الذروة المسائية، وحذرت الصحيفة من وقوع وسيلة المواصلات الجديدة "ضحية لنجاحها". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.