في سياق الصراع الذي تخوضه الصحف الأميركية من أجل توسيع دائرة قرائها، فما عليها إلا أن تنظر إلى غياب كاتبات مقالات الرأي، كي تدرك أن العنصر النسائي هو العنصر المفقود فعلياً في هذا النوع من الكتابة الصحفية. والحقيقة أن غياب أقلام الرأي النسائية، يعد أوضح مؤشر على وضع النساء في مؤسساتنا الصحفية. ذلك أن صفحات الرأي في صحفنا، تعكس الجانب الفكري القيادي الأكثر احتراماً في بلادنا، لكونها تؤثر على صنع السياسات والقرارات، إلى جانب مساهمتها في الدفع بالعملية السياسية بمجملها. وفي غياب النساء عن هذه الصفحات، ما يشير إلى نظرة لا تحسن تقدير دور المرأة وتستهين بإمكاناتها الفكرية الهائلة التي تستطيع التعبير عنها صحفياً. ولا جدال في غياب النساء بالعشرات في هذا المجال. إلا أن المسؤولية الأساسية عن هذا الغياب تقع على محرري صفحات الرأي، طالما أن لهم الكلمة النهائية في ما يجب نشره في هذه الصفحات. على أن هذا القول لا يعفي النساء عن مسؤولية تقديم أنفسهن بما يليق بهن، والإصرار على إسماع صوتهن عبر صفحات الرأي. فمن صحيفة "واشنطن بوست" لاحظت الكاتبة "ديبورا هاول" مؤخراً أن نسبة تقل عن 14% فحسب من مجمل مقالات الرأي التي نشرتها الصحيفة خلال العام الحالي، كتبتها النساء، وأن نسبة مطابقة لها من المقالات المنشورة تنسب إلى أقلام الأقليات العرقية المختلفة. وفي دراسة خصصت لمقالات الرأي المكتوبة من قبل الأكاديميين، أعدتها جامعة "روتجرس"، تم التوصل إلى أن جميع مقالات الرأي المنشورة خلال العام الحالي، تؤول إلى الكُتّاب الذكور. وبحسب الدراسة فإن 97% من المقالات المنشورة بصحيفة "وول ستريت" منسوبة للذكور، بينما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" نسبة 82% من مقالات الفئة ذاتها من الكُتاب، و87% أخرى نشرتها صحيفة "نيووارك ستار" اليومية. يشار إلى أن "المركز الصحفي النسوي" يطالب بتمثيل النساء في كافة أشكال الكتابة الصحفية في مؤسساتنا الإعلامية، بما فيها مقالات الرأي. لكن وما أن نتحدث مع محرري هذه الصفحات عن الغياب الملحوظ للنساء في صفحاتهم، حتى يتكرر سماعنا للسؤال نفسه المتفق عليه تقريباً:"هل برأيكم أن المشكلة تفسر بنقص العرض أم الطلب"؟ وكثيراً ما يشير هؤلاء المحررون إلى صناديق بريدهم الإلكتروني، باعتبارها دليلاً واضحاً على ندرة ما يرد إليها من مساهمات كتبتها النساء لصفحاتهم. وبالطبع تشير هذه الصناديق إلى فيض من مساهمات الكتاب الذكور، لا يمكن مقارنته بتلك المنسوبة للأقلام النسائية. بل إن من رأي "روث ماركوس" كاتبة أحد الأعمدة الصحفية الثابتة بصحيفة "واشنطن بوست"، أن مسؤولية هذا الغياب تقع على تقاعس النساء أنفسهن عن الجهر بأصواتهن، أكثر من أن تنسب لما وصفته بـ"شوفينية" المحررين الذكور لصفحات الرأي. وعموماً يعتبر هذا الرأي من جانب الكاتبة "روث" عزفاً وتنويعاً على ما وصفته مؤسسة "بروكنجز" بـ"فجوة الطموح" بين الجنسين. على أننا نتفق على أية حال، مع رأي "ديبورا هاول"، الذي توصل تحليلها لسلوك صفحات الرأي في صحيفة "واشنطن بوست"، إلى أن المسؤولية عن غياب الأقلام النسائية في تلك الصفحات، يعود إلى التقاليد التي دأبت عليها الصحيفة المذكورة في استقطاب الكتاب البيض من الذكور، إلى جانب عجز الكاتبات عن إسماع أصواتهن. ويشارك في العجز نفسه، المنتمون إلى الأقليات العرقية الأخرى بذات القدر. وعلى المستوى الإحصائي، تشير الأرقام إلى أن نسبة النساء المشاركات في شتى المساحات الصحفية المخصصة للرأي لا تزيد على 25 في المئة فحسب، وفقاً لما أشارت إليه إحصاءات العام الحالي. ففي صحيفة "واشنطن بوست" تنسب 17 من جملة مقالات الرأي الأسبوعية أو نصف الشهرية التي تنشرها الصحيفة، البالغة 19 مقالاً إلى الكتاب الذكور. وعلى هذا الأساس يمكن قياس تكرار النمط نفسه في غالبية كبريات المؤسسات الصحفية الأميركية. ويجدر التمييز هنا، بين الكُتّاب الذين تستأجرهم الصحيفة وتتعاقد معهم للإسهام في ما تنشره من مقالات متخصصة في الرأي، وأولئك الذين يسهمون بمقال أو مقالين للرأي خلال عام كامل، حسب مجال التخصص والموضوع الذي يتناوله. فالنوع الأول من الكُتاب يتسم بالاستمرارية والثبات، في حين يصنف النوع الثاني على أنه فئة عرضية طارئة من الكتاب. والفرق واضح لا يخفى بين الاثنين بالطبع. على أن النظر إلى القائمة الثابتة لكُتاب الصحيفة المعينة، ربما كان الوسيلة الأفضل لاختبار مدى عدالتها في إتاحة الفرص المتكافئة للكُتاب، ومدى احترامها للتنوع بين كتابها أم لا. وإنه لغني عن القول إن قائمة الكُتاب هذه، هي التي تعبر عن قدرة الصحيفة المعينة، على تقييم كفاءة الكتاب ومدى قدرتهم على تفسير الأحداث والمتغيرات التي يشهدها العالم. استناداً إلى هذا المعيار، فإنه يمكننا التوصل إلى حقيقة اعتقاد كبريات الصحف الأميركية بأن الكتاب الذكور هم الأكثر قدرة على التحليل والتفسير وتقييم ما يجري من حولهم، قياساً إلى النساء. وهذا هو السبب الذي يفسر ميل هذه الصحف إلى التعاقد مع الكتاب الذكور. وبما أن هذا هو واقع الممارسة، فإن على الصحف المعنية، أن تعترف بأن فشلها في اتباع سياسات تحريرية عادلة، تتجه لاستقطاب الأقلام الموهوبة الذكية من كلا الجنسين، فضلاً عن استقطابها بالمعايير نفسها للمواهب الصحفية المنتمية لشتى المجموعات العرقية ومن مختلف ألوان الطيف السياسي الاجتماعي، إنما يعود إليها وحدها، بدلاً من أن تميل إلى نسبته إلى الفئات المغيبة المذكورة. وهذا هو الخلل الذي ينبغي لصحافتنا تداركه وتصحيحه، بدلاً من إلقاء اللوم على النساء والأقليات. كارول جنكينز رئيسة المركز الصحفي النسوي وحائزة على جائزة "إيمي" للمراسلين التلفزيونيين ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"