ما الذي سيحدث لنا خلال السنوات والعقود القادمة؟ فقدنا شعور الأمان البيئي والسياسي والاقتصادي والصحي والغذائي والعائلي، وصار كل ما نراه حولنا وتحتنا وفوقنا وقريباً منا وبعيداً عنا، في خطر داهم! فما العمل؟ ثلوج القطبين في طريقها إلى الانصهار والتحول إلى مياه تُغرق المناطق الساحلية وربما أكثر بكثير، فمن شأن الذوبان التام للغطاء الجليدي في جزيرة "جرينلاند" وحدها- تقول مجلة العربي- يوليو 2008، أن يؤدي إلى ارتفاع يُقدّر بسبعة أمتار في مستويات البحار. ويؤدي ذوبان نسبة تصل إلى 20% فقط من ثلوج الجزيرة و5% من القطب الجنوبي إلى ارتفاع بنحو أربعة إلى خمسة أمتار في مستويات البحر. تصور نفسك واقفاً أمام أبراج الكويت أو سواحل البحرين أو شاطئ الأسكندرية، لتجد البحر قد ارتفع خمسة أو سبعة أمتار... أمامك! حرارة الغلاف الجوي كما نعرف ترتفع بانتظام، إلى جانب الحرارة هناك التلوث البيئي الذي سيدمر الأنهار والبحيرات والسواحل والبحار والأجواء، شعوب وشركات الدول المتقدمة ربما سمعت الكلام، وخففت نسبة تلوث البيئة، ولكن ماذا نفعل بالبلدان الفقيرة والمزدحمة؟ التلوث وصل إلى الفواكه والخضار والحليب واللحوم والحبوب... وسيصل منه المزيد. الغابات والأدغال تتقلص في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا، وآلاف الممالك والأجناس الحيوانية والحشرية والنباتية تنقرض أمام أعيننا. الحيوانات الجميلة والمتوحشة والوديعة و"القبيحة" ستنقرض، بعد أن عاشت ملايين السنين على هذا الكوكب. تصور أن ما لم يحدث منذ كذا مليون سنة يحدث اليوم في فترة حياتنا نحن، تأمل اليأس في وجوه الدببة القطبية وحيوانات الفقمة وطيور البطريق، وانظر إلى الحزن والكآبة يسيطران على الغوريلات والنمور والصقور. لم يعد الأسد الهصور ملكاً في الغابة ولا الثعلب قادراً على أن يقهر مكر الإنسان، ولا عاد نعيق البوم والغربان يجلب أي سوء لمدمري البيئة النباتية والحيوانية وتجار الأخشاب وسالخي جلود النمور. خارج الغابات، التصحر في ازدياد والبراري والكثبان في اتساع، وهي تمتد في البلدان الفقيرة وتقضم ما في طريقها من أراض زراعية. ومع انتشار الجوع والجدب وندرة الوقود والأمطار، تقتلع بقايا الأشجار والنباتات، وتنتشر المجاعات، فيموت الناس وتهلك المواشي وتتفكك الأرياف، وتزدحم المدن والمناطق الفقيرة والبائسة منها بالذات. ومع التصحر وندرة الأمطار، يشتد الصراع على مياه الشرب داخل وخارج المدن، وحتى بعض الأنهار الطويلة العريضة، كدجلة والفرات، باتت مهددة بتزايد السكان واحتياجات الري والاستخدام، وفوق ذلك كله تواصُل بناء السدود في دول الجوار. وهكذا صارت بعض دول المنطقة العربية تعيش أزمة الماء إلى جانب أزمة الطاقة والطعام، بالطبع إلى جانب أزمات ومشاكل أخرى، حتى تكسرت، كما يقول الشاعر النصال على النصال! وما يبقى من أرض زراعية أو غير زراعية يزحف عليها العمران ومشاريع "حل أزمة الإسكان"، فتكتمل حلقة الحصار! إن ارتفاع أسعار البترول نعمة كبرى بالنسبة للدول المنتجة ومصدر ثراء فاحش غير متوقع، ولكنه كارثة حقيقية للدول الغنية والفقيرة على حد سواء، وقد تكون له نتائج بعيدة المدى على الحياة الدولية والحضارة السائدة وشتى مجالات التقدم، وإذا انهار الاقتصاد العالمي، وبخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، انهار معه كل ما جمعته الدول النفطية من ثروات! ومن نتائج ارتفاع أسعار البترول تضاعف الإقبال على أشكال الطاقة الأخرى، الشمسية والذرية، ولا أحد يدري ما الذي سيترتب على تزايد واتساع انتشار محطات توليد الطاقة النووية، وما تأثير ذلك على البر والبحر والجو، وما احتمالات "الحوادث الذرية" القادمة، وبخاصة إن انتشرت في دول العالم الثالث وبلدان الصراع والفوضى السياسية والعسكرية. كل هذه المشاكل البيئية وغيرها، لا تكاد تمنع النزاعات القومية والعرقية والدينية في العالم، فهي تزداد انتشاراً كذلك وتسبب القلق والمخاوف في الكثير من دول العالم. ونرى أن بعض الكوارث البيئية والمصائب السياسية والأزمات الاقتصادية تُطبِق معاً على أنفاس شعوب معينة وتوردها موارد التهلكة... أو تكاد! بل ربما تجد بعضها بينما هي في بؤس وضنك من العيش وحروب ومآس، تَضرِبْها فوق ذلك الزلازل أو تعصف بها كارثة مثل الـ"تسونامي"! الشعوب التي كانت توصم بأنها "بدائية" أو "بربرية" أو "متوحشة" اختلطت بالآخرين أو اختفت أو لم يبق من كيانها وأسلوب عيشها ومناطقها إلا القليل، وصارت عرضة لمختلف الأعراض والأمراض ومختلف مساوئ المدنية. ولكن حتى "الشعوب الراقية"، أو لنقل المتقدمة في مستوياتها المعيشية، باتت تعاني من الشيخوخة وقلة التناسل وتناقص العدد كالألمان واليابانيين مثلاً. الانقراض والفناء لا يحاصران الكائنات الحية وحدها، فحتى اللغات واللهجات باتت تجابه المشكلة ذاتها، وصرنا نقرأ في الصحف بين حين وآخر عن وفاة أحد المعمرين باعتباره "آخر" من كان يتحدث باللغة الفلانية، ويُقال إن كل اللغات في النهاية ستختفي ما عدا خمس أو ست من بينها العربية لحسن الحظ. وقد أظهر تقرير للأمم المتحدة قبل ثلاث سنوات أن نصف سكان الكرة الأرضية يتكلمون 8 لغات فقط من أصل ستة آلاف لغة تستخدم اليوم في المعمورة، وأن هذه اللغات بترتيب انتشارها هي، الصينية والإنجليزية والهندية والإسبانية والروسية والعربية والبرتغالية والفرنسية. ومقابل هذه اللغات القومية هناك ثلاثة آلاف لغة من الستة آلاف لغة المعروفة، حذر التقرير من أنها ستختفي من العالم خلال أقل من مائة عام بسبب تناقص عدد المتكلمين بها لحد الانقراض وإهمال تعليمها للأجيال الجديدة، منها 200 لغة يتكلم بها اليوم أقل من 500 شخص فقط. (الشرق الأوسط، 7/3/2005). وقد يقول قائل إن العلم في تقدم، والبحوث المتقدمة لن تدع الأمور تتدهور في كل هذه المجالات إلى هذا الحد، وهذا بالطبع صحيح، ولكن من منا يريد حياة "طبيعية"... يتم تصنيعها في المعامل؟ من يعرف كيف ستكون أوضاعنا إذا أحاط بنا التلقيح الصناعي والتوليد الصناعي والتغذية الصناعية، وإذا دخلت المواد الكيميائية واللدائن والآلات والموجات الكهروضوئية والكهرومغناطيسية والإلكترونيات والمواد المعدلة جينياً في مختلف جنبات حياتنا؟ ماذا سنفعل إن ارتفعت حقاً حرارة الكوكب، وارتفعت مياه البحار واختفت الغابات وشح الماء العذب والوقود؟ ماذا إذا تعمقت الفجوة الزراعية والإنتاجية أكثر مما هي عليه اليوم، بين البلدان المتقدمة والمتخلفة، وصار العالم الثالث عالماً رابعاً وخامساً.. وأشباه دول وأشباه شعوب؟! كيف يمكن للكثير من هذه البلدان التخلص من "التلوث المالي"، أي الفساد الذي ليس له حدود، والتفكك الذي نرى اليوم بداياته في بعض الدول الأفريقية الفقيرة والثرية على حد سواء؟ هل ينقذنا العلم والتخطيط والتنمية أم أن الأمور تدهورت ولم يعد من الممكن سوى الصبر والترقيع. و"الاتكال على الله"؟ هل أوضاع البشرية كلها صارت كأوضاع العالم العربي، الكل محاصر بين كوارث قادمة وحلول بحاجة إلى معجزات لتنجح؟ مكسيكيون يقفزون فوق جدران الحدود الأميركية ويغامرون بحياتهم في سبيل ذلك، صينيون في الحاويات، عرب في سفن مهترئة مثقوبة، عراقيون يحاولون عبور المحيط باتجاه أستراليا، قوانين الهجرة والتجنيس تتغير نحو المنع والتشدد، عولمة باتت رغم الازدهار الاقتصادي وتقدم وسائل المواصلات والاتصالات، مهددة بألوان التعصب القومي والعرقي والديني وكراهية الأغراب. كيف سينتهي قرننا هذا... بحق السماء؟