المثل الإنجليزي الجميل يقول: الطفل المبتل هو الوحيد الذي يستمتع بالتغيير، نعم والعرب تقول لا يعرف الحب إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها، ولكن ما سر هذه المقدمة؟ إنها مرتبطة بموضوعنا الذي بدأنا الحديث حوله في مقال الأسبوع الماضي، إنه موضوع التربية والتعليم والذي عانى من تجاهل لفترة من الزمن وكانت النتائج خطرة على مجتمعنا وقيمنا وحتى سوق العمل لدينا. الكل يشتكي من التربية والواقع الذي تمر به، سواء من العاملين في الميدان أو الأسر وحتى المسؤولين الرسميين، وهذا شعور في محله وظاهرة صحية ينبغي تعزيزها وتطويرها واستثمارها. لكن السؤال الذهبي هو ما بعد الشعور، هل هو حديث وفكر وخطط أم أن الواقع التربوي يحتاج إلى ما هو أكبر من ذلك؟ نحن لسنا بحاجة إلى شغب في ملاعبنا حتى تتطور الكرة، ولن نكون بحاجة إلى شغب في مدارسنا حتى نبدأ في التطوير، الدول التي بدأت ونجحت في التطوير انتقلت من مرحلة التذمر والشكوى إلى مرحلة العمل والتغيير حتى نجحت، وكي ننجح في العملية دعوني أسق لكم من كِتاب "أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب"، والذي شرُفت بتعريبه عن الأصل الأميركي للكاتبة "نيلا كونرز"، أنقل لكم من هذا الكتاب المملوء بالتجارب الواقعية صفات قادة التطوير الذين نحن بحاجة لهم كي تتطور التربية في دولة الإمارات العربية المتحدة. من أهم هذه السمات: الإيمان بالنجاح والتصرفات الإيجابية، نعم إن القائد الناجح هو الذي تلمح في عينه حب النجاح والهمة التي تنتقل منه إلى مَنْ هم معه وفي الوقت نفسه يتصرف بروح إيجابية، حيث يجد النجاح في موطن الفشل وليس العكس، العنصر الثاني المهم في صفات قادة التطوير وجود أهداف واضحة في حياتهم، وتستغرب عندما تتحاور مع بعض قادة التطوير في التربية والتعليم لدينا، إنهم في خواء تام من لازمة الأهداف الواضحة، بلغة أخرى لما تسألهم عن ماذا يريدون؟ تجد أن لهم في كل شهر رغبة وهدفاً، ولا بأس من وجهة نظرهم أن تتعارض هذه الأهداف مع بعضها البعض، المهم أنهم في مكانهم! السمة الثالثة للقائد التربوي الناجح هي حب الحياة والتعامل معها بنكهة الحماس والاتجاه الدائم إلى الأمام، ومن أهم صفات قادة التغيير عدم الإحباط مع وجود الصعاب، بل إن شعارهم انه كلما سد في وجههم باب فتح الأملُ أمامهم أبواباً، وهذا يقودنا إلى سمة مهمة للقائد الذي يريد التغيير في ميدان التربية، ألا وهي القدرة على العمل بروح الفريق، وروح الفريق التي يرددها الناس اليوم وقلة منهم يدركون متطلباتها، لا تعني أبداً تشكيل الفرق الوهمية أو الصورية، فما أكثر اللجان لدينا وما أقل المستثمر منها، لسنا بحاجة إلى لجان يقال لها ما تفعل، نحن بحاجة إلى لجان تفكر ثم تقرر فتنفذ. العجيب في لجاننا أنها تنتظر دائماً التعليمات، وهذا ليس هو فريق العمل الناجح، إنه من يفكر ويضع أمام صانع القرار أكثر من خيار، فإذا تم تحديد المسار التف الجميع حول القائد يدعمونه للوصول إلى النتيجة المرجوة، أما نحن فنجتمع في لجان تربوية كي يفكر عنا الغير، ثم يقرر عنا، فإذا بدأنا خطوات التنفيذ تبرأ كل عضو في هذه اللجنة أو تلك من قراراتها، مما يقود إلى التعثر المستمر والوقوف قبل أن نقطف الثمار، لذلك ارتبطت سمة روح الفريق بصفة أخرى مهمة للقائد الناجح ألا وهي قدرته على الإنصات الجيد للناس. لدينا مسؤلون تربويون يسمعون بآذانهم ويُشعِرون من حولهم أنهم معهم، لكن حواراتهم لا تتجاوز الآذان، لذلك لا يثق الناس بهم، بل بدأ من حولهم يكتشف هذه السمة فيهم، إن هذا المدير سيسمع لمجرد الاستماع فقط، فسمة الإنصات ترتبط بالاستماع الجيد والتفكير فيما يقال وامتلاك العقل المتفتح المرن الذي يوافق على تغيير قناعاته الخاصة لما فيه مصلحة العمل المناط به. وربما نختم هذه الصفات بواحدة هي الأخطر، إنها النقد الذاتي للقرارات التي تم اتخاذها، إنها عقلية نفقدها تقريباً في مجتمع التربية والتعليم لدينا، فإذا ما فكر المدير في أمر قد لا يتراجع عنه ولو ظهر له أنه أخطأ الطريق، أما في دول أخرى فنجد مسؤولين تربويين يتقدمون باستقالاتهم لأنهم وصلوا مرحلة عدم القدرة على الإنجاز؛ لأنهم يمتلكون هذه الشجاعة التي نفتقدها، لقد شعر الجميع بالبلل فمن يقود حركة التغيير في تربيتنا؟