على رغم أهمية الاعتراف بوجود عدة قضايا رئيسية لا تزال مثار خلاف كبير بين إيران وإسرائيل، إلا أنه من الطيش السياسي أن تسمحا للتجاذب بينهما أن يصل إلى هذا الحد الخطير من التصعيد والتوتر. وبفعل هذا التصعيد، فما أن تستعرض إحداهما عضلاتها العسكرية، حتى تسارع الأخرى إلى إبراز عضلاتها هي أيضاً. ووفق ما نرى الآن، فليس ينقص أيّاً من الدولتين سوى نشوب نزاع عَرَضي، تكون عواقبه دماراً هائلاً وخسائر فادحة في الأرواح. ففي شهر يونيو الماضي، أجرى طيارون إسرائيليون، مناورات عسكرية جوية على بعد 1500 كيلومتر فوق مياه غربي البحر الأبيض المتوسط، سرعان ما فسرت على الصعيدين المحلي والدولي على أنها "بروفة" لتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية. وكانت هذه المناورات باهظة التكلفة وواسعة النطاق، لكونها تضمنت تدريبات على استخدام ناقلات الوقود الجوية، وكذلك استخدام الطائرات العمودية في عمليات الإنقاذ. وفي الشهر نفسه، صرح شاؤول موفاز، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، قائلاً إنه ليس أمام بلاده خيار آخر سوى مهاجمة إيران. كما حذر مسؤولون إسرائيليون آخرون طهران من مغبة الاستمرار في برامجها الخاصة بتخصيب اليورانيوم. وتعكس كل هذه التحذيرات والمواقف، رغبة إسرائيل في الحفاظ على احتكارها للأسلحة النووية في المنطقة، مع ملاحظة أنها لم تعلن حتى الآن حيازتها للسلاح النووي. ولم يمض على انتهاء المناورات العسكرية الإسرائيلية هذه وقت طويل حتى أعقبتها مبادرة طهران لاستعراض عضلاتها الحربية هي الأخرى. كان ذلك في 9 يوليو الجاري، وهو التاريخ الذي صادف مناقشة قادة الدول الثماني الكبرى المجتمعين في اليابان حينئذ، للأزمة الإيرانية. وتمثل هذا الاستعراض، في إطلاق طهران لتسعة صواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، قصدت منها توجيه رسالة فحواها تأكيد قدرتها على الرد العسكري على أي هجوم قد تتعرض له من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل. وأظهر فيلم فيديو بثته طهران، إطلاق ستة صواريخ من منطقة قريبة من مضيق هرمز. والمعلوم أن نسبة 40 في المئة من إجمالي النفط العالمي تمر عبر هذا المضيق بما في ذلك نفط العراق، الذي يمثل مخزونه جزءاً لا يستهان به من النفط العالمي. بقي أن نشير إلى تهديد إيران بالإغلاق الفوري للمضيق في حال تعرضها لأي هجوم عسكري. ولم يكن غريباً أن تصعد تاليّاً أسعار النفط العالمي، إثر اختبار إيران لصواريخها آنفة الذكر. ومن جانبه قال قائد الأسطول البحري الأميركي الخامس، في تصريح له في شهر يونيو الماضي، إن إغلاق مضيق هرمز، سيكون بمثابة إعلان حرب من جانب طهران. أما قائد سلاح الجو التابع للحرس الثوري الإيراني، فقد وصف اختبار صواريخ بلاده الأخير بأنه "إظهار لمدى عزمنا وقوتنا أمام الأعداء، الذين هددوا أمن إيران بلهجة عدوانية لا تخفى خلال الأسابيع القليلة الماضية". واستطرد الجنرال الإيراني قائلاً: "لكن تظل أيادينا دائماً على زناد البنادق، بينما تتحفز صواريخنا أهبة للانطلاق". ولم يمر يوم واحد على اختبار مجموعة الصواريخ الأولى حتى أعقبها في اليوم التالي مباشرة إطلاق مجموعة أخرى. يذكر أن طهران اختبرت طرازاً جديداً من صورايخ "شهاب 3" في 9 يوليو الجاري، يعتقد أن له مدى يبلغ 1250 ميلاً، بينما يبلغ الرأس الحربي التقليدي الذي يحمله طنّاً واحداً. ويعني هذا المدى، إمكانية وصول الصاروخ إلى كل من إسرائيل وتركيا -التي تربطها علاقة شراكة قوية مع إسرائيل- وكذلك منطقة شبه الجزيرة العربية وأفغانستان وباكستان، على رغم عدم تمتع الصاروخ بدقة التصويب. ولتحرِّي المزيد من الدقة، فقد أصبحت القواعد العسكرية التابعة للمملكة المتحدة في قبرص هدفاً لصاروخ "شهاب 3" الإيراني الذي جرى اختباره، وكذلك القواعد الأميركية في كل من العراق وأفغانستان، إلى جانب استهداف الصاروخ نفسه للقيادة العامة الأميركية، وللأسطول البحري الأميركي الخامس في الخليج، وكذا مقر القيادة المركزية الأميركية في المنطقة. يذكر أن لطهران ترسانة صاروخية لا يستهان بها منذ سنوات طويلة، وأنه سبق لها أن تعرضت لهجوم برؤوس حربية كيماوية شنها عليها نظام صدام حسين سابقاً، إبان الحرب العراقية- الإيرانية. واستناداً إلى هذه الخلفية، فهي أقدر اليوم بكثير من عقد ثمانينيات القرن الماضي، على إظهار قوة عسكرية أكبر. ومن جانبها ترد طهران على اتهامات المجتمع الدولي لها، بأن برامجها النووية الجارية لا تستهدف شيئاً سوى تطوير الطاقة الكهربائية النووية، وأنه لا صلة لها البتة بتطوير السلاح النووي. وعلى عكس هذا تماماً، تزعم إسرائيل أن عامين فحسب، هما اللذان يفصلان بين طهران وبين امتلاك قنبلتها النووية. وبين هذه المزاعم وتلك، أثار دهشتي تقرير استخباراتي صدر في أميركا خلال شهر ديسمبر الماضي، وخلص إلى أن طهران عطلت برامجها النووية العسكرية منذ خمس سنوات، دون أن تعود لاستئنافها البتة. ورداً على ذلك التقرير علق الرئيس بوش قائلاً إن طهران ربما تكون قد فعلت هذا بالفعل، إلا أن ذلك يبقى أمراً آخر! والذي لاشك فيه، أن لصاروخ "شهاب 3"، الذي يعد نسخة مطورة من صاروخ "سكود" السوفييتي، قابلية للتحديث بحيث يمكن تزويده برأس نووي. على أن الخبراء يرون أن طهران لا تزال بحاجة إلى ما يتراوح بين خمس إلى عشر سنوات قبل أن تتمكن من تحقيق هذا الهدف. وضمن ما يثيره الخبراء، تساؤلٌ عن عدد الصواريخ التي يمكن لطهران تطويرها بحلول ذلك التاريخ. وبالمقارنة، فليس لإسرائيل نظام صاروخي قادر على صد صواريخ "شهاب 3" فحسب، بل إن لها نحو 200 صاروخ مزودة بالرؤوس النووية على حد اعتقاد الخبراء. ومن شأن مجموعة صغيرة فحسب من هذه الصواريخ، أن تزهق أرواح ملايين الإيرانيين إلى جانب محو بنية طهران الصناعية والحربية من الوجود كليّاً. وهذا ما يعيدني إلى القول: إن من الجنون أن تبادر إيران بإطلاق صواريخها على إسرائيل. وبدلاً من لغة التهديد والوعيد، فإن على أميركا وإسرائيل، أن تعودا إلى تجريب مزايا اللغة الدبلوماسية مع طهران.