في علم الاتصال الجماهيري، هناك ما يعرف بدور "قادة الرأي" في توجيه قناعات المجتمعات وتشكيل رأي عام تجاه قضية ما، وهؤلاء عادة ما يمارسون الإعلام من خلال وسائله المعروفة (صحافة، تلفزيون، إذاعة)، أو من خلال الجماعات الصغيرة التي تختص بهم أو غير ذلك، وفي دولتنا هناك اتهام بقصور واضح في دور قادة الرأي خصوصاً على صعيد الاتصال الجماهيري. الصحفيون وكتاب الرأي عندنا لا يقومون بالدور المنتظر منهم في بناء رأي عام موحد تجاه قضية وطنية ما، بل غالباً ما يتركون الساحة لغيرهم، وهذه بحد ذاتها ظاهرة سلبية، لأن قادة الرأي يفترض فيهم درجة معينة من الوعي بقضايا المجتمع وأولوياته، وعندما يتحول دور هؤلاء إلى موقع "رد الفعل" يتضاءل تأثيرهم عند الرأي العام المحلي بل يكاد يختفي أحياناً. بين فترة وأخرى تثار في الدولة بعض القضايا الداخلية مثل اعتصام المعلمين الغاضبين، المحافظ الوهمية، احتجاجات العمال وغير ذلك، وما يحدث أن قادة الرأي على الصعيد الوطني يتعاملون مع كل حدث من هذه الأحداث بمنظور لافت للمراقبين مثل أن تجد مواقف موحدة لكتاب الرأي، لكن في صحيفة واحدة فقط، من دون دعم في الرأي من كتاب آخرين في بقية صحف الدولة، رغم أن القضية محل النقاش... وطنية بالكامل. من يراقب قد يفسر ذلك من خلال تبعية الصحيفة لهذه الإمارة أو تلك، ويرى أن الحملة التي يشنها كتاب الرأي في صحيفة مثل "الاتحاد" ضد اعتصامات المعلمين هي تعبير عن موقف إمارة أبوظبي، مع أن المسألة ليست كذلك ولن تكون، لأن الحدث له دلالات تتعلق بالدولة الاتحادية، ولا تقتصر أي معان له على نطاق جغرافي لإمارة دون أخرى، ومع ذلك لم تجد هذه الاعتصامات موقفاً رافضاً في أي صحيفة أخرى كما لم تواجه بأي تعليق من جانب قادة الرأي في مؤسسات أخرى مثل اتحاد الكتاب وجمعية الصحفيين. يرجع السبب في عدم تبني "القضايا الوطنية الكبرى" وحصر الكتابة والتعليقات أحياناً كثيرة في تفاصيل يومية، إلى الصلة شبه المقطوعة بين صانعي الرأي العام في الصحافة المحلية، وإلى التنافس الجغرافي، لا المهني، القائم بين الصحف المحلية، وهذه رؤية قائمة سواء اختلفنا أو اتفقتنا معها. الخطير والأهم من هذا كله أن بعض صحفنا المحلية غائبة تماماً عن قضاياها، فلو أجريت تحليل مضمون لافتتاحيات صحفنا المحلية على مدى فترة زمنية معنية، لاكتشفت، وأنا واثق من هذا، أن جل اهتمام افتتاحيات صحفنا المحلية ينصب على قضايا خارجية، صحيح أنها عربية ومهمة بالتأكيد ولكن هذا لا ينفي أننا مجتمع به الكثير من التفاعلات والقضايا الداخلية، التي تتطلب إبداء الرأي وتوضيح ما يخفى على القراء من ملابسات لبعض الأمور؛ مثل خلفيات اعتصام المعلمين مؤخراً. عندما تتخذ صحيفة معينة موقفاً ما من قضية وطنية خالصة تلقى أحياناً باتهامات غريبة من البعض، وهذه الاتهامات كثيراً ما تلقى قبولاً من بعض القراء لا لسبب سوى لأن الصحيفة انفردت دون غيرها من الصحف بإبداء رأي والتصدي لسلوك ما وكأنما يتركها الآخرون لتعاقب على وطنيتها وجرأتها! افتتاحيات صحفنا المحلية تصور المجتمع وكأنه مجتمع دون قضايا حيوية رغم أن هذا الأمر فيه مغالطة؛ فنحن مجتمع مثل أي مجتمع به من الإشكاليات ما يتطلب أحياناً مواقف واضحة من قادة الرأي بالأخص؛ والأمثلة على ذلك عديدة ولا داعي لذكرها واجترارها، لكن افتتاحيات صحفنا تتجه إلى قضايا الخارج في أحيان كثيرة، سواء بسبب الخوف من الخوض في قضايا الداخل لأسباب غير معروفة وغير واضحة أو لأن الصحيفة أساساً "مختطفة" من جانب بعض الوافدين الذين يسلطون الضوء على قضايا تحظى باهتمامهم، والتخوف هنا من أن يفرضوا أجندتهم على صحيفة تمولها دولة الإمارات وتصدر فيها.