أحبُّ الجازولين الذي يبلغ سعر الجالون الواحد منه 4 دولارات لأن ذلك يجعلني أُقدر قيمة الحرية. ولذلك لم أشارك في التظاهرات التي نظمتها منظمة MoveOn.org احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود، والتي شملت تظاهرة في أغلى محطة وقود في منطقة لوس أنجلوس - "ذا يونيون 76" في منطقة بيفرلي هيلز. وكانت المنظمة قد أصدرت بهذه المناسبة بياناً صحفياً جاء فيه:"إننا نريد التأكد من أن العالم يعرف أن سكان منطقة "بيفرلي هيلز" قد ضاقوا ذرعاً بأسعار الوقود، ويريدون رئيساً في البيت الأبيض يعمل على خفض أسعار الوقود". والحق أن MoveOn.org تفهم دائماً المشاكل التي يعانيها الأميركيون، مثل سعر الوقود في "بيفرلي هيلز"؛ ولذلك فإنني آمل، إنْ هي نجحت بخصوص هذه المشكلة، أن تتناول بعد ذلك مشكلة عقد السنتين المزعج والمقيِّد بخصوص جهاز "آي فون". لكن إذا كانت MoveOn.org وباراك أوباما سيواجهان حقاً أميركا بالحقائق الضرورية، فإنهما سيخبراننا بأن 4 دولارات للجالون أمر جيد. فمع ازدياد الإقبال على وسائل النقل العام، تراجعت بالمقابل حركة المرور عبر البلاد بـ2.1 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة. وهذا الانخفاض في المسافات المقطوعة- إلى جانب قيادة الناس للسيارات الصغيرة، وبسرعة أقل، حفاظاً على الوقود- قد يعني أن عدداً أقل من الناس سيموتون في حوادث مرور هذه السنة، وذلك حسب دراسة أجراها الأستاذان "مايكل موريسي" بجامعة ألاباما في بيرمينجهام و"ديفيد سي. جرابوفسكي" بكلية الطب التابعة لجامعة هارفارد. وإضافة إلى ذلك، فقد تراجع تلوث الهواء، حسب أستاذ العلوم الاقتصادية "جي. بول لي" بجامعية كاليفورنيا، إلى درجة تفادي 2200 حالة وفاة مرتبطة بالأمراض التنفسية خلال العام الماضي. كما أن التقليل من تناول الوجبات في المطاعم والإكثار من المشي وقيادة الدراجة قد يعني تراجعاً بنسبة 10 في المئة في السمنة، حسب "تشالز كورتمانش"، أستاذ العلوم الاقتصادية المساعد بجامعة "نورث كارولاينا". أعترفُ أنني أستطيع تحمل وقود بـ4 دولارات للجالون لأنني غني، ولأنني وزوجتي نمتلك سيارتين صغيرتين، ولأنني أعمل انطلاقاً من المنزل، ولأن بعض صناديق الاستثمار التي استثمرت فيها تشمل مبلغاً محترماً من أسهم "إيكسون موبل"، ولأنني من الشجاعة بحيث تجاهلت نصيحة الشركة المصنعة لسيارتي باستعمال البنزين، الذي به تركز كبير لمادة الأوكتان. الوقود الرخيص أمر مجحف، فقيادة السيارات تترتب عنها كلفة اجتماعية كبيرة جداً على شكل حركة مرور، وتلوث مضر بالصحة، واحترار أرضي، وكلها أمور لا يعانيها الشخص الذي يشتري الجازولين لوحده. غير أن الحكومات عادة ما تضع أنظمة غبية لمواجهة هذه التكلفات الاجتماعية بدلاً من إرغام الأفراد على دفع ثمن المشاكل التي يتسببون فيها عبر إضافة ضريبة تخصَّص لمعالجة الخلل. وهذا النوع من الضرائب -النوع الأكثر عدلاً في الحقيقة- يدعى ضريبة "Pigovian tax" واستعماله هو الذي يفسر لماذا وصلت كلفة الوقود إلى ما بين 8 و10 دولارات في أوروبا، حيث عدد حالات الوفيات على الطرق أقل مما هو عليه الحال في الولايات المتحدة، بالرغم من أنهم يقودون سياراتهم بطريقة غبية. لو قامت الولايات المتحدة بزيادة الضرائب ببطء إلى أن يصبح سعر الجالون في حدود 8 دولارات، فإن الحياة ستصبح أفضل. ففي تلك الحالة، سنكون أكثر أمناً، وسنكون قد قلصنا الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، وسنصبح أكثر سعادة. فالدراسات تُظهر أن الشيء الوحيد الذي يزيد السعادة الشخصية ويقويها هو التفاعل الاجتماعي، وبالتالي، فإذا كان ارتفاع أسعار الوقود قد أدى إلى انهيار أسعار العقار بشكل سريع في الضواحي مقارنة مع المدن، فإن سكان المدن سيصبحون أكثر سعادة. كما تُظهر الدراسات نفسها أن الشيء الذي يجعل الناس أقل سعادة هو الرحلات المكوكية التي يقومون بها من المنزل إلى مكان العمل والعكس، هذا في وقت يلاحظ فيه ازدياد معدل العمل انطلاقاً من البيت هذا العام. وهكذا، نستطيع استعمال عائدات هذه الضريبة لتمويل وسائل النقل العام، وهو ما سيعيدنا إلى الأيام التي كانت فيها قيادة السيارة وسيلة تُظهر للناس أنك غني. بعبارة أخرى، فإنك لن تعود في حاجة إلى سيارات الدفع الرباعي "SUV". ومما لا شك فيه أن 8 دولارات للجالون أمر مجحف في حق الفقراء أيضاً، ولكن الأمر نفسه ينسحب على الرأسمالية كلها أيضاً حيث الأغنياء يحصلون على مزيد من موارد الأرض، بينما لا أحد لديه الحق في وقود رخيص مثلما ليس لديه الحق في أشياء أخرى ضرورية لحياة كاملة ومنتجة من قبيل جهاز "آي. فون" أو عمود في جريدة أسبوعية حيث تستطيع إغضاب الناس وإغاظتهم. لقد أمضينا 50 عاماً في استعمال المال الحكومي لبناء الطرق السريعة التي أدت إلى أسلوب الحياة الذي نشأتُ فيه والقائم على قيادة السيارة وقضاء ساعات طوال في التسكع في "المولات". وبالتالي، فمما لا شك فيه أننا سنحتاج لعقود من أجل إعادة هيكلة مجتمعنا وتحويله إلى شيء أفضل. ولئن كنتُ منزعجاً لأنني سأدفع أكثر مقابل الوقود في المحطات، إلا أنني أرى أنه مقابلٌ معقول من أجل إصلاح وتحسين أحد المجتمعات. وبالمناسبة، أعتقد أن على الحكومة أن تبحث إمكانية فرض نوع من الضرائب الثقيلة على استعمال "فيس-بوك" أيضاً. جويل شتين محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"