عوامل معينة سوف تحدد الإجابة على هذا التساؤل الذي يشغل بال شعوب منطقة الشرق الأوسط بل والعالم بأجمعه. لكن لنستعرض أولاً المشهد الذي يفيض بالتوتر وينذر بويلات الحرب التي إن اندلعت فستأتي على الأخضر واليابس. كما أن من المهم التنويه ببعض إشارات الأمل التي قد تحول دون حرب ضروس في المنطقة. العامل الإيراني مشكلة، هكذا يقول المتابعون. مشكلة إيران ليست في برنامجها النووي وحقها بامتلاك التكنولوجيا السلمية، ولكن في العزلة التي تعيشها إيران. قد يكون مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ويليام بيرنز قد بالغ بعض الشيء حين قال في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس يوم الثلاثاء الماضي، إنه ما من حلفاء لإيران في العالم سوى فنزويلا وكوبا وروسيا البيضاء، مضيفاً أن سوريا ليست حليفاً دائماً لإيران، وأن لديها أولويات غير المشروع النووي الإيراني. لكن الحقيقة أن السياسة الإيرانية الخارجية في عزلة تتزايد يوميّاً. كما تعاني إيران من مشاكل داخلية وهلع في سياستها الخارجية دفعها إلى ارتكاب أفعال تعكس حالة الهلع تلك: تصريحات غير منطقية بحفر مقابر جماعية وأخرى من قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري ناصحاً جنود "الغزاة" القادمين بأن يحملوا معهم أرجلاً صناعية. إضافة إلى تصرفات استفزازية تزيد من أعدائها وتبعد أصدقاءها كاحتجاز 22 عاملاً من الجنسية الهندية يعملون على قوارب صيد سعودية، وها هي تفقد شيئاً فشيئاً تعاطف الأوروبيين، حيث أوقف الاتحاد الأوروبي التعامل مع أكبر بنك إيراني "بنك ملي"، بينما أعلنت شركة "توتال" النفطية الفرنسية العملاقة توقف عملياتها في إيران بسبب تطورات الموقف. وتعيش إيران مشاكل اقتصادية داخلية على الرغم من أن سعر برميل النفط تعدى مائة وأربعين دولاراً، فالتضخم في إيران وصل 25%، وأعداد البطالة تتزايد بمعدل مليون يدخلون قوة العمل ويبحثون عن عمل سنويّاً. المراهنة الإيرانية على إرجاء المسائل العالقة حتى انتخابات الرئاسة الأميركية مقامرة خطرة، فتطورات الأوضاع قد لا تمهل إيران حتى تلك الفترة، و"أوباما" نفسه آخذ في التشدد لاجتذاب أصوات اليمين ومؤيدي إسرائيل داخل أميركا. العامل الأميركي يتوقف على القناعة والمعلومات عن مدى اقتراب إيران من القنبلة النووية، وهذه قد تكون مثل معلومات الإدارة نفسها حول أسلحة الدمار العراقية، كما أنها تخضع لتأثير عامل آخر هو العامل الإسرائيلي الذي يدفع بضرب إيران قبل انتهاء ولاية بوش، لقناعة لدى إسرائيل أن الحرب الأميركية- الإيرانية القادمة لن تنتهي بتخلي إيران عن برنامجها النووي، بل بالقضاء على نظام ينشد "محو إسرائيل من الخريطة". بقي العامل العربي في معادلة الحرب المحتملة، وهو عامل ذو شقين: رسمي عاجز عن اتخاذ مواقف أقل تعقيداً وصعوبة من مجريات الأمور نحو الحرب، وعامل شعبي عاطفي سيقف مع إيران وقفة "صوتية" غير مشهودة تفوق وقفته الصوتية السابقة مع نظام صدام حسين. العامل العربي بشقيْه لا يقدم ولا يؤخر -مع الأسف الشديد. لكن الأمور قد لا تصل إلى الحرب، فهناك إشارات توحي بأن في إيران بقايا عقل سياسي يدرك أن اندلاع الحرب سيدفع إيران نحو الهاوية -وربما نحو التقسيم، فعلى الرغم من لغة التهديد فإن التنسيق الإيراني- الأميركي مستمر حول العراق، بل إن وفداً دبلوماسيّاً أميركيّاً سيزور إيران لأول مرة منذ عام 1979 حسب تقارير صحفية، وفسر بعض المراقبين عدم مشاركة المقاتلة الأميركية الأحدث "ف- 22" المتقدمة في المناورات الأميركية الأخيرة على أنه رسالة ودية لإيران كي تراجع حساباتها. كم كان بودِّي أن أرسم صورة متفائلة، لكن الحروب لا يحسمها ضرب الرمل، ومؤشراتها جد خطيرة بتداعيات لا حدود لها، والحسابات الخاطئة قد تقود إيران لما قاد صدام العراق إليه.