العقل هو النعمة التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان وميزه عن باقي المخلوقات، وهو الوسيلة الجوهرية والأساسية التي يصل من خلالها الإنسان إلى المجهول من المعارف، وذلك عبر سلسلة من النشاطات الذهنية التي يقوم بها الدماغ، وأهمها التفكر والتفكير حتى يكون الإنسان قادراً على التعامل بفاعلية مع محيطه ومطالب حياته على اختلاف أنواعها. لذلك فقد اعتبر الكاتب العقاد أن التفكير فريضة إسلامية، وحدد معالم هذه الفريضة من خلال مزايا القرآن الكريم الكثيرة والتي يعتبر العقل أحدها, خاصة في أمر العقيدة والتكليف، حيث إن القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، وهو يحث المؤمن على تحكيم عقله وعدم إهماله، لأن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو عقل يهتم بالتفكير والتفكر الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور ويوازن بين الأضداد ويتبصر ويتدبر ويحسن الأذكار والرواية، العقل الذي يضع التفكير في أعلى سلم أولوياته. هذه الأهمية الكبيرة لمفهوم التفكير في حياتنا جعلتني أتوقف طويلاً وأنا أبحث في مجموعة من الدراسات العلمية والفكرية، عند دراسة مهمة تشير إلى مستوى حالة إجادة مهارات التفكير عند خريجي التعليم العام في الوطن العربي، حيث تؤكد نتيجة هذه الدراسة أن "مهارات التفكير عند الطالب العربي في التعليم العام متدنية"، وأن كثيراً من الطلاب يعجزون عن تقديم أدلة وشواهد تتعدى المفهوم السطحي للمفاهيم والعلاقات، كما لا يستطيع كثير منهم تطبيق معارفه على مشكلات العالم الواقعي. أما التفكير الإبداعي أو التحليلي أو النقدي فهو أشبه بالحلم. وترجع الدراسة السبب في ذلك إلى عوامل عديدة أهمها المناهج، والكتاب المدرسي، وإعداد المعلمين، وبيئة المدرسة، والقصور في طرائق التعليم وفي تعلم مهارات التفكير. إن تدني مهارة التفكير عند الطالب العربي يعني غياب شريحة فكرية مهمة عن ساحة التحليل والنقد والتفكير الإبداعي، وطريقة التشخيص والاكتشاف والاختراع التي تعتمد عليها "آلية" التطور في أي مجتمع يريد التقدم والتميز والمنافسة. وهذه النتيجة أيضاً تكشف لنا مدى عقم الحالة التي يمر بها العقل العربي، وبخاصة حالة افتقاره إلى الفضول العلمي والمعرفي التي تؤثر في عدم قدرتنا على تطوير ذاتنا، وبخاصة في مجال العلوم وتحقيق أعلى مستوى من الإنجاز الفكري المتقدم الذي تميزت به الدول المتقدمة منذ دخولها طور النهضة وحتى الآن؛ لأن حرية الرأي، وحرية التفكير والنقد والبحث العلمي، والإصرار على التميز، وعوامل أخرى عديدة أهمها الشفافية والمكاشفة والمساءلة... خلقت عندهم ذهنية جديدة ونوعاً من العقول البشرية الخلاقة التي كان لها دور حاسم في تطور الوعي والعلم والفكر في الغرب. نحن لدينا من العوامل الكثير، وبخاصة الاقتصادية والحضارية والاجتماعية والعقائدية، فضلاً عن القيم التي تجعلنا قادرين على قطع مسافة الإنجاز العلمي والفكري بيننا وبين الغرب، والتقليل من الفجوة النفسية التي نشعر بها الآن... فقط كل ما نحتاجه أن نحسن عملية التفكير عند الناس، وأن نعلمهم قواعد جديدة للتفكير السليم، وأن نرسخ في الذهنية العربية مسألة الحوار الفكري الجاد والنقد الهادف، وأن تكون لدينا مساحة واسعة لحرية الرأي وحرية النقد، وحيوية في مجال البحث العلمي، وأن نجعل مسألة الشفافية والمكاشفة والمساءلة... ثقافة عامة في المجتمع، أي أن تكون لدينا إرادة قوية لا تعرف المستحيل ولا تستسلم للهزيمة النفسية، وعقول لديها أعلى مراتب المهارات اللازمة للتطور... أخذاً بفريضة التفكير.