قضى آينشتاين ثلاثين عاماً الأخيرة من عمره في محاولة إيجاد قانون توحيدي يفسر قوى الكون الخمس، وفي أدغال المعادلات قادته الرياضيات إلى حقيقة مذهلة لا معقولة عن كون يتمدد بدون توقف؟ مما جعله يتراجع ويحاول فرملة المعادلة بمحاولة إدخال فرامل فيها! كل ذلك فعله لأنه رأى أن المسلمات العلمية المتعارف عليها متفق عليها في هذا المنحى. لكن لماذا تراجع آينشتاين عما قادته إليه معادلاته هو بالذات، ليدخل "الثابت الكوسمولوجي"، وليفرمل زخم المعادلات، في خطأ مصيري اعترف هو نفسه بأنه أشنع ما فعله في حياته العلمية! الجواب أن آينشتاين وغيره لا يخرج عن قانون ضغط الأفكار السابقة والمستحكمة! إنه ضغط المسلمات والعقلية الآبائية. عقدة السلف والتقليد المستحكم... والتي جعلت النيهوم يقول في أحد تعبيراته "سلف غير صالح"! وحين يتحول البشر إلى مقدسين لا يستفاد منهم، "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد"؛ فهذا طرف من الحجب التي تقف بين العقل والحقيقة، بين القلب والله، بين العلم وإدراكه. لا غرابة إذن عندما نسمع عن الصراع الذي نشب بين إبراهيم وقومه حول أصنام لا تضر ولا تنفع، وكل مبرراتهم في عبادتها أنهم وجدوا آباءهم عليها عاكفين، حتى وإن كانت لا تضر ولا تنفع. وكان من شدة تمسكهم بها وحرصهم عليها، استعدادهم للموت من أجلها، بل وحرق من يمسها، كما فعلوا مع إبراهيم عليه السلام، فألقوه في النار حياً، لكن لا تستطيع ألسنة النار أن تلتهم الحقيقة، كما لا يستطيع دخانها أن يخفي جوهر الكون، وهكذا خرج إبراهيم عليه السلام من النار حياً كما دخلها حياً. هذا المطب الذي وقع فيه آينشتاين، حصل نظيره مع العالم الألماني "أوتو هان" الذي كان أول من كسر المسلمة اليونانية الثانية في العالم الأصغر، بعد أن كسرها آينشتاين في العالم الأكبر، أي عالم الماكرو والميكرو، وحاول جبر صدعها، ولم شعثها، فأصيب بالرعب أيضاً، أمام مخالفة ضغط المسلمات لألفي سنة من الفكر الإنساني، وهو يستقرئ نتائج قذف نترون على ذرة يورانيوم. كانت المسلمة تقول إن الذرة لا يمكن أن تتجزأ، بعد أن كانت "الأتوم" التي تعني في اليونانية الجزء الذي لا يتجزأ! وهكذا أصبح العالم الأكبر والأصغر فجأة على أيدي "آينشتاين" و"أدوين هابل" و"ألكسندر فريدمان" من جهة، وعلى أيدي "أوتوهان" و"أنريكو فيرمي" من جهة ثانية، عالماً آخر، وشواطئ جديدة للمعرفة، وخلقاً مستحدثاً، ونشأة لم تعرفها البشرية قبل ذلك. أصبح العالم الصغير يفتح أبواباً جديدة، ويصغر أكثر فأكثر كما أصبح العالم الكبير يتمدد ويتوسع أكثر فأكثر، وكأن اللانهاية تنتظر عند الحافتين، وتغلف الحدين، وتمسك بقطبي الوجود. ولمعرفة تفاصيل هذه القصة المثيرة والممتعة، لا بد من مراجعة تفصيلات العلم في ظاهرة الزحزحة الحمراء والوقود النووي والنسبية وعلاقة الطاقة بالمادة، فقد وصل آينشتاين إلى طرح نظرية النسبية الخاصة عام 1905، والنسبية العامة عام 1916، وفيها وصل إلى توحيد الطاقة بالمادة، عبر المعادلة المشهورة (الطاقة = الكتلة المتحولة مضروبة في مربع سرعة الضوء التي تبلغ 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة). وهو ما يحتاج لشرح خاص مستقل، "والله يعلم وأنتم لا تعلمون...".