واحدة من أسوأ الفترات التي مر بها المجلس الوطني الاتحادي منذ سنوات كانت عندما كان أغلب أعضائه متفقين على رأي واحد في القضايا التي تطرح في المجلس وذلك ليس لأنها لم تكن محل خلاف وإنما لأنهم كانوا يرغبون دائماً في مجاملة رئيس المجلس الوطني وعدم معارضته كي لا "يزعل عليهم". وأغرب ما سمعته مؤخراً هو مطالبة البعض بأن يكون أعضاء المجلس الوطني متفقين على رأي واحد في جميع القضايا التي تطرح تحت قبة البرلمان! فأي برلمان في العالم هذا الذي يكون أعضاؤه على رأي واحد؟ وأي مواطن هذا الذي يدعو برلمانه أن يكون متفقاً على رأي واحد في جميع القضايا؟ إن استغراب البعض من وجود اختلاف في وجهات النظر بين أعضاء المجلس الوطني وانتقادهم لهذا الاختلاف ومطالبتهم بأن يكونوا على رأي واحد، أمر غريب ويدل على أن الذي يعتقد أن المجلس لا يعرف عمله هو الذي لا يعرف دور المجلس ولا يعرف روح البرلمانات التي تقوم أساساً على الاختلاف في وجهات النظر بل والتباين فيها، الأمر الذي يؤدي إلى وصول رئيس المجلس إلى مرحلة التصويت على بند في قانون أو نقطة في تقرير... وكم كان الخلاف بين رئيس المجلس الوطني الأسبق الحبتور والعضو الشرهان كبيراً ومستمراً لدرجة انسحاب الشرهان لأكثر من مرة من الجلسة، وكل ذلك الخلاف كان حضارياً وطنياً من أجل مصلحة الوطن والمواطن فلكل طرف رؤية من زاوية معينة... فخلاف الأعضاء هو ملح البرلمانات وبهاراتها التي يجب أن تستمر. فأي برلمان هذا الذي يكون جميع أعضائه على رأي واحد وأصحاب وجهة نظر موحدة؟! يعرف المتابع لمقالاتي موقفي من المجلس الوطني الاتحادي عندما لا يكون في المستوى الذي ينتظره منه المواطنون ومن خلال خبرتي كمحرر برلماني منذ عام 1998 حيث كنت متابعاً وحاضراً جميع جلسات المجلس الوطني حتى عام 2002 ومن ثم متابعتي لأعماله من خارج المجلس حتى اليوم، هناك كلمة حق يجب أن نقولها وهي أن المجلس الوطني الحالي بأعضائه المختلفين وبرئيسه هم خير من يمثل المواطنين ويعتبر واحداً من أفضل المجالس التي مرت على برلماننا منذ انتهاء فترة رئيسه الأسبق الحبتور. صحيح أن ما يقدمه المجلس ليس في مستوى طموحات المواطن ولكنه بلا شك يأتي في إطار ما يسمح به القانون والدستور والصلاحيات الممنوحة له. لذا فانه كان من الملفت في الانتقادات التي توجه للمجلس الوطني أنها قديمة ولا تواكب تطورات المجلس الأخيرة، فلو سمعنا تلك الانتقادات قبل عشر سنوات قد نصدقها ونقتنع بها ونؤيدها لكن اليوم اعتقد أنها انتقادات غير موضوعية لأن عمل المجلس الوطني اليوم تقدم بشكل كبير ويحسب للحكومة إيمانها بالمجلس ويحسب لأعضاء المجلس عملهم الدؤوب وتحملهم هذه المسؤولية الكبيرة. وأعتقد أنه من المهم على من يريد انتقاد عمل المجلس أن يعرف إلى أين وصل المجلس اليوم، وأن لا ينسى أن نصف أعضائه وصلوا إلى البرلمان بالانتخابات -صحيح أنها انتخابات جزئية- فقد اختارهم المواطنون ولم يختاروا آخرين غيرهم ونصفهم الآخر اختارهم الحكام نتيجة معرفتهم بكفاءتهم وعطائهم، فإن قصّر أحدهم أو جاء قرار المجلس على غير ما يشتهيه البعض فهذا لا يعني أن المجلس لا يقوم بعمله وأنه لا يمثل المواطنين. واضح منذ سنوات وإلى اليوم أن جهل "البعض" بدور المجلس الوطني الاتحادي هو ما يؤدي إلى الإساءة إليه وإلى أعضائه. وما يميز هذا البرلمان أنه يضم مجموعة متميزة من أبناء الإمارات المخلصين والمتعلمين والأكاديميين ورجال الأعمال بالإضافة إلى أخواتنا البرلمانيات اللواتي اثبتن كفاءة عالية منذ أول دور انعقاد يشاركن فيه. وحتى نكون منصفين لا يمكن أن ننكر وجود عدد من فئة "معاهم معاهم... عليهم عليهم"! وهؤلاء موجودون في كل مكان... شخصياً افتخر بهذا البرلمان وافتخر بكل عضو فيه لأنهم خير من يمثل المواطنين في هذا الموقع المهم. وما نلمسه من الشارع اليوم هو أن المواطنين راضون أيضاً عن برلمانهم، ويرون أن أداءه قد تحسن وإن لم يكن في مستوى طموحهم، لكنهم على الأقل يشعرون بأنهم يستطيعون الوصول إلى "بعض" أعضاء المجلس -الذين قاموا بانتخابهم- وهذا أمر مهم وخطوة إلى الأمام ومطلب المواطنين منذ زمن طويل. دور الانعقاد المنتهي جاء بعد تطور مهم جداً في مسيرة العمل البرلماني في الدولة، فقد بدا بعد أن تم اختيار نصف أعضائه بالانتخاب في أول تجربة ديمقراطية في تاريخ الدولة... وجاء هذا التطور بدعم من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" من أجل تمكين المجلس الوطني الاتحادي كي يكون سلطة قادرة على دعم السلطة التنفيذية والمشاركة في مسيرة البناء التي تواصلها الدولة. وأعتقد أن المجلس نجح في القيام بالدور المطلوب منه على أكمل وجه في إطار الصلاحيات التي يمنحه الدستور... وأعتقد أن من واجبنا أن ندعم المجلس والتجربة الديمقراطية التي ما تزال في مهدها. المتابع لأعمال المجلس الوطني لابد أن يلمس نشاط وديناميكية المجلس خلال دوري الانعقاد الماضيين من الفصل التشريعي الرابع عشر، وهناك مجموعة من القضايا المهمة التي ناقشها المجلس منها سياسة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وسياسة وزارة الصحة في مجال الاستراتيجية الصحية، وسياسة الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، وسياسة وزارة الداخلية، وموضوع القروض الشخصية، وموضوع تنظيم ودعم القطاع الصناعي في الدولة، وموضوع التلوث البيئي، وسياسة برنامج الشيخ زايد للإسكان التي أثارت جدلاً في غير محله مؤخراً! ويفترض أن يناقش المجلس في دور انعقاده القادم سياسة الحكومة في قطاع الإعلام وموضوع تفاقم ظاهرة ارتفاع الأسعار وغيرها من الموضوعات المهمة. وقد وصل عدد الجلسات التي عقدها المجلس خلال هذا الدور إلى عشر جلسات أقر فيها 12 مشروع قانون وناقش ثمانية موضوعات مهمة وطرح 35 سؤالاً على الوزراء وطالب بإجابتهم عليها بالحضور إلى المجلس... كما عقدت لجان المجلس 96 اجتماعاً... كما شهد الفصل التشريعي الرابع عشر للمجلس الوطني الاتحادي تطوراً وتقدماً في العلاقة بين المجلس والحكومة... فلا أحد يستطيع أن ينكر أن بعض الوزراء في الماضي كانوا يتعاملون مع المجلس بفوقية وبشكل لا يليق بمكانة البرلمان وأعضائه لكن اليوم وبعد الدعم الكبير الذي حصل عليه المجلس من رئيس الدولة ونائبه وحكومته الحالية، فإن الوضع قد تغير تماماً... وما وجود وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني وحضوره جلسات المجلس إلا دليل على اهتمام الحكومة بالمجلس وإيمانها بدوره ورغبتها في تعزيز هذا الدور. أخيراً، من المهم أن أجيب عما تساءلت عنه كما تساءل عنه كثير من المواطنين منذ أكثر من عام عندما تولى الغرير رئاسة المجلس الوطني إن كان سيتمكن من التوفيق بين كونه رجل أعمال له مصالحه الخاصة وبين كونه رئيس برلمان يفترض أن يضع مصلحة الوطن والمواطن قبل كل شيء... ويبدو من خلال الفترة الماضية من عمله كرئيس للمجلس أنه نجح في مهمته الجديدة وكان خير من يرأس هذا الكيان الاتحادي المهم والحساس.