يمثل النقاش المرير الذي احتدم في مجلس الشيوخ خلال الشهر الجاري حول مشروع قانون "ليبرمان-وورنر" بشأن التغير المناخي، والذي يفرض على الملوثين الرئيسيين دفع مبالغ مقابل ما ينتجونه من غازات مسببة للاحتباس الحراري، مؤشراً واضحاً على الأهمية التي باتت تحظى بها ظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن النشاط البشري في السياسة الأميركية الداخلية. وبالطبع لا بد أن هذا النقاش يُطمئن الذين يعتقدون بأن الأجيال القادمة ستحكم علينا بمدى تفاعلنا مع التحديات الجسيمة التي يطرحها التغير المناخي، كما أنه سيهدئ من مخاوف الذين يتوجسون من تأثير الاحتباس الحراري على الحياة البشرية فوق كوكب الأرض. لكنه من غير المرجح أن يضعنا الخطاب السياسي المتعالي في واشنطن على الطريق الصحيح لحل المشاكل المتعلقة بظاهرة التغير المناخي، وهو بالتأكيد لن يجعلنا بمنأى عن تداعياته المدمرة. وفي تعليقها على مشروع القانون اعتبرت السناتور "باربرا بوكسر" من كاليفورنيا، وأحد المشاركين في رعاية المشروع أنه "أفضل البرامج على الصعيد العالمي في محاربة الاحتباس الحراري". والحقيقة أنه لا يمكن سوى الإقرار بالحجم الكبير للمشروع، لا سيما وأنه سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي الأميركي بتريليونات الدولارات على مدى نصف القرن المقبل. لكن فيما يتعلق بالهدف الرئيس والمتمثل في خفض درجات الحرارة العالمية، فإن تأثير مشروع القانون في بلوغه سيكون ضئيلاً للغاية، وبخاصة إذا لم تلتزم الصين والهند بتقليص الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. ولن يسهم مشروع قانون "ليبرمان-وورنر" سوى في تأخير درجات حرارة الأرض المرتقبة بحلول العام 2050 بعامين فقط. ومن جانبهم يفضل السياسيون نظام تحديد سقف الانبعاثات وبيعها للمؤسسات والشركات الملوثة، لما يوفره هذا النظام من أموال طائلة هي بمثابة ضرائب غير مباشرة تدفعها الشركات نظير إطلاقها للغازات المسببة للاحتباس الحراري. والأكثر من ذلك يتيح هذا النظام إمكانية السيطرة على تراخيص الانبعاثات وتوزيعها مع جني أرباح مهمة في حالة فرض رسوم على تلك التراخيص لكل من يسعى للحصول عليها. وفيما يحق للجميع سواء مواطنين عاديين، أو هيئات المجتمع المدني التساؤل عن الجهود المبذولة لكبح الاحتباس الحراري ووقف درجات الحرارة المتزايدة للأرض، إلا أن الحل الذي اقترحه الكونجرس من خلال مشروع القانون قيد الدراسة ليس هو أفضل الخيارات مقارنة مع البدائل الأخرى المطروحة للتداول. فلو أجبر الناس على دفع أموال مقابل السماح لهم بتلويث الأجواء، فإنهم سيلجأون مرغمين إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية مثلاً، والحال أن اللوائح الشمسية هي خمس مرات أقل فاعلية من الوقود الأحفوري رخيص الثمن. والأهم من ذلك أن الأغنياء فقط يستطيعون تثبيت تلك اللوحات الشمسية فوق منازلهم، بحيث يبدو أن العديد من المقاربات الجديدة الصديقة للبيئة لا ترضي سوى مشاعر الأغنياء الحريصين على البيئة، أو الذين يشعرون بعقدة الذنب إزاء دورهم في الاحتباس الحراري. والحل في نظري يكمن في مضاعفة ميزانية البحث العلمي لتطوير الطاقة الشمسية لتصبح أقل تكلفة، ذلك أنه لا يمكن تجنب التغير المناخي من خلال إرغام الناس على خفض انبعاث الكربون. ولكم أن تتخيلوا لو انخفض سعر اللوحات الشمسية إلى ما دون سعر الوقود الأحفوري بحلول 2050، حينها سنكون قد وضعنا حداً للاحتباس الحراري مادام الانتقال إلى الخيارات الصديقة للبيئة لن يبقى حكراً على المواطنين في الغرب، بل سيتعمم على مناطق العالم الأخرى، وبالأخص في الصين والهند. ولعل ما يزيد من رجاحة التركيز على البدائل الرخيصة ما توصل إليه مشروع "إجماع كوبنهاجن" الذي جمع ثمانية من كبار الخبراء الاقتصاديين في العالم، بمن فيهم الحائزون على جائزة نوبل، لدراسة السبل الكفيلة لمواجهة عشرة تحديات أساسية تواجه العالم تتمثل في: التلوث الجوي، والصراعات، والأوبئة، والاحتباس الحراري، والمجاعة، ونقص التعليم، والمساواة بين الجنسين، وغياب المياه العذبة والصرف الصحي، والإرهاب، ثم الحواجز التجارية. وقد ركز هؤلاء الخبراء بحثهم على التكاليف والمكاسب المحتملة لشتى الحلول المطروحة لكل تحد من التحديات العشرة بهدف تحديد الأولويات والطريقة المثلى لإنفاق الأموال والتصدي لها. وانتهى الخبراء إلى أن أقل الوسائل فعالية في استخدام الموارد لمحاربة الاحتباس الحراري هو الاعتماد فقط على خفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون. فقد أظهر البحث الذي أشرف عليه أحد المشاركين البارزين في صياغة تقرير "الهيئة عبر الحكومية للتغير المناخي"- وهي المجموعة التي حصلت في العام الماضي على جائزة نوبل إلى جانب نائب الرئيس "آل جور"- أنه حتى لو خصصت 800 مليار دولار على مدى القرن القادم لتخفيف الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري لما ساهمت في تخفيض درجة الحرارة المرتقبة سوى بـ0.4% بنهاية القرن الحالي. وبالطبع لم يدع الخبراء الاقتصاديون إلى تجاهل تأثير التغيير المناخي، إنما أشاروا إلى طريقة أفضل في معالجة الظاهرة مقارنة بخفض الانبعاثات والمتمثلة في رفع ميزانية البحث العلمي لتطوير مصادر طاقة لا تعتمد على الكربون مثل الطاقة الشمسية والجيل الثاني من الوقود الحيوي. وفي هذا الإطار تتوفر الولايات المتحدة على فرصة لقيادة العالم في مجال البحث العلمي والتطوير، وهو ما سيمنحها السلطة الأخلاقية لمطالبة الجميع بالقيام بالمثل. وحتى لو أنفقت كل دولة 0.05% من ناتجها الإجمالي المحلي على البحث العلمي لتطوير مصادر لا ينتج عن استهلاكها غازات الكربون، فإن ذلك لن يشكل سوى عشر ما يكلفه بروتوكول كيوتو الذي لا يهتم سوى بمسألة خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري. بجورن لومبورج أستاذ بكلية إدارة الأعمال في جامعة كوبنهاجن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"