أصدرت محكمة بلدية أبوظبي، نهاية الشهر الماضي، حكماً قضائياً لم يأخذ نصيبه من الاهتمام الإعلامي برغم أنه يلفت الانتباه إلى قاعدة قانونية تستحقّ تسليط الضوء عليها؛ حيث قضت المحكمة، حسبما نشرت صحيفة "الاتحاد" الصادرة يوم 25 يونيو الماضي، بحبس 3 مستثمرين عقاريين لمدة شهر مع غرامة مالية قدرها 50 ألف درهم، لمخالفتهم شروط تأجير عقارات؛ عقب إنذارات وجّهتها البلدية لهم بإزالة أسباب المخالفة المتمثلة في "تقسيم البيوت والفيلات دون الرجوع إلى الإدارات المختصّة في البلدية". الكثيرون، بل ربما معظم الشريحة التي تصنّف ضمن خانة "مستثمري" الشقق السكنية المخصصة للإيجار، لا يدركون أن تقسيم الفيلات والبيوت دون الرجوع إلى الإدارات المختصة في البلدية، مخالفة يعاقب عليها القانون، في حال عدم الاستجابة للإنذارات، بالحبس والغرامة المالية وقطع الكهرباء على المنشأة المخالفة وإجبار مستثمرها على إزالة أسباب المخالفة، بالإضافة إلى إخلاء المبنى من المستأجرين. هذا الحكم يرسّخ قاعدة قانونية قائمة، ويرسي دور القضاء في ردع المستهترين بالقوانين السائدة في البلاد. وما يضاعف من أهميته أنه يأتي في وقت تنامت فيه المخالفات الخاصة بتقسيم الفيلات والبيوت بشكل عشوائي، وتأجير الفيلا الواحدة إلى عشرات السكان مستغلّين الفجوة القائمة بين العرض والطلب، وتحقيق مكاسب خيالية على حساب البنى التحتية والأمن والاستقرار والجمال والهدوء الذي تتميز به بعض المناطق السكنية التي تكاد تتحوّل إلى مناطق عشوائية بسبب سلوكيات السكن غير المدروسة وسط مناطق الأسر والعائلات. والمؤكّد أن حدوث بعض الجرائم داخل بعض الفيلات المقسّمة بهذه الطريقة العشوائية في الآونة الأخيرة، يضاعف من مسؤولية الجهات المعنيّة في ملاحقة هذه الظاهرة وتجريمها وتحقيق مبدأ الردع القانوني في مواجهة المخالفين، وأيضا من أجل استئصال هذه الظاهرة ومحاصرتها تمهيداً للقضاء عليها وإعادة الأمور إلى نصابها تدريجياً عقب رأب الفجوة القائمة بين العرض والطلب في سوق الإيجارات. ولقد قامت بلدية أبوظبي في الفترة الأخيرة بسلسلة من الإجراءات التي تصبّ بمجملها في خانة ملاحقة ظاهرة السكن العشوائي، وأيضاً الحدّ من الممارسات غير القانونية لبعض الملاّك ضد المستأجرين، وهي تحركات مهمّة إجمالاً ليس فقط لأنها تنزع فتيل الأزمات وتحقق الانضباط في السوق العقاري، ولكن لترسّخ سيادة القانون وتؤكّد للجميع أن هناك قواعد قانونية كفيلة بأن تعطي لكل ذي حق حقه، والحيلولة دون حدوث فوضى في هذا القطاع الحيوي. وتشير إحصاءات بلدية أبوظبي إلى أنّها رصدت نحو 176 فيلا وبيتاً شعبياً مخالفاً خلال جولات تفتيشية منذ بداية العام وحتى يونيو الماضي، وهذه الحالات وجّهت إليها إنذارات لمعالجة الأوضاع المخالفة قبل البدء بتطبيق العقوبات التي تبدأ بقطع التيار الكهربائي عن المبنى المخالف وتحويل الأمر إلى نيابة البلدية؛ ما يعني أن جانباً كبيراً من ظاهرة السكن المشترك في الفيلات والبيوت الشعبية تحت مجهر الرصد والمراقبة الإدارية والتنظيمية. لجنة فضّ المنازعات الإيجارية بأبوظبي تلعب هي الأخرى دوراً مهماً في تحقيق مبدأ العدالة وسيادة القانون من خلال فضّ أي خلاف أو نزاع، سواء بسبب الجهل بالقوانين أو بمحاولة التحايل عليها، سواء من جانب الملاك أو المستأجرين. ضبط أوضاع سوق الإيجارات لا يتحقق فقط بزيادة المعروض السكني وتوجيه مزيد من الاستثمارات نحو الإسكان المتوسط أو المخصص لمحدودي الدخل، ولكنه يتطلب أيضاً ترسيخ المبادئ والأسس القانونية الحاكمة للعلاقة بين أطراف المعادلة العقارية، وكذلك تنظيم عمل شريحة الوسطاء وتقنين دورهم وفق ضوابط وقواعد معينة للحدّ من الخروقات التي يرتكبونها في سوق الإيجارات.