تطرح قضية استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية تساؤلات كثيرة حول مستقبل منطقة الخليج في ظل الوفرة المالية... وهل هذه الطفرة النفطية ستحقق الوفرة الاقتصادية المطلوبة بعيداً عن الاعتماد المفرط على دخل النفط ومفهوم الدولة الريعية؟ الخبراء الاقتصاديون يؤكدون بأن ارتفاع أسعار النفط سيستمر ولا أحد يعرف إلى أين يصل سعره... أحد الخبراء الروس توقع أن يصل سعره 250 دولاراً للبرميل قريباً... الخبراء يؤكدون بأن سبب ارتفاع أسعار النفط ليس ازدياد الطلب عليه فقط، أو المضاربة في أسواقه، أو انخفاض سعر الدولار... بل سببه الرئيسي عدم وجود طاقة إنتاجية جديدة للنفط، مما أدى إلى الارتفاع المتزايد لسعره. التساؤل المطروح: ما هي السياسات والقضايا التي علينا الاهتمام بها لضمان استمرار الازدهار الاقتصادي، بعيداً عن الاعتماد على النفط؟ دول الخليج العربية تتسابق فيما بينها لتتحول إلى مراكز مالية وتجارية مفتوحة... وهذه خطوة في الطريق الصحيح، لكن ذلك يتطلب وجود استقرار سياسي واجتماعي وأمني. صحيح أن هذه الدول تعتبر القضية الأمنية قضيتها الأولى داخلياً، لكن ضمان الأمن الخارجي ترك لمسؤولية الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهذا أمر مقبول... لكن الاعتماد على الحماية الأميركية يتطلب اتخاذ سياسات مؤيدة وداعمة لواشنطن. الأنظمة الخليجية عموماً تدعم السياسة الأميركية، رغم وجود خلافات طبيعية أحياناً... لكن هنالك تيارات شعبية إسلامية متزايدة في الخليج تعادي الولايات المتحدة لاعتبارات أيديولوجية أو مذهبية، مما يثير تساؤلات حول المستقبل. التهديدات الإيرانية الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز، أثارت مخاوف كل دول المنطقة والعالم وتصدى لها قائد الأسطول الأميركي الخامس في المنطقة بتأكيده على حماية هذا الممر الحيوي. وبما أننا نعتمد على الحماية الغربية، فلماذا الإفراط إذن في التسلح وهدر الأموال عليه بشكل غير مبرر؟ لقد انتعش اقتصاد اليابان وألمانيا لأنهما وجهتا كل طاقاتهما لقضايا الاقتصاد والتنمية بدلاً من التسلح. التواجد الأميركي في المنطقة سيكون ضماناً لاستقرارها، كما أنه ينعش الأسواق الخليجية، خصوصاً الشركات التي توفر الخدمات اللوجستية للقوات الغربية. لكن ماذا عن الأموال الفائضة؟ دول الخليج بدأت تتخذ سياسات خاطئة بإغداق الأموال على شعوبها من خلال الرواتب والامتيازات والهبات الحكومية للشعوب، هذه السياسة حذرت منها الأمم المتحدة والبيوت الاستشارية، لأنها هدر للمال العام خصوصا أنها غير مرتبطة بالعمل الإنتاجي والأداء والإنجاز... بل هي "رشوة" للمواطنين لكسب ولائهم للسلطة. ما نحتاج إليه هو استقدام أفضل العقول الخليجية والعربية والدولية في مجال الاستثمار لوضع استراتيجية طويلة الأجل تعتمد على الأسس المالية الرصينة لضمان إدخال عنصر الاستدامة لعائدات النفط. الأزمة العالمية القادمة ستكون نقص المياه... ودول الخليج جميعها تعاني من شح المياه وتعتمد في الغالب على مياه الأمطار التي كثيراً ما تنقطع، وعلى مياه التحلية من البحر التي نستعملها للزراعة والشرب... لكن مع ارتفاع أسعار الطاقة النفطية... لم يعد مجدياً التركيز على الزراعة في الخليج إلا على نطاق ضيق... وهذا يتطلب منا إيجاد بديل لضمان الغذاء بأسعار معقولة وهنا علينا حماية الاستقرار وتشجيع الاستثمار في مجال الزراعة والثروة الحيوانية، مثل استراليا ونيوزيلاندا والمغرب وغيرها. وأخيراً كل هذه التصورات لا معنى لها بدون توفر القوى البشرية المؤهلة لإدارة التنمية، بما يتطلبه ذلك من فتح المجال أمام القطاع الخاص لمنافسة القطاع العام في مجال التعليم والتكوين. قادة الخليج لم يفتأوا يؤكدون حقيقة حرصهم على الأجيال القادمة وعلى أهمية تغيير التعليم.. لكن شيئاً لم يحدث حتى الآن فيما يخص الابتعاد عن مفاهيم التعليم الحكومية القديمة التي تركز على الحفظ والتلقين بالطرق القديمة، مما أفرز أجيالاً لا تصلح لسوق العمل إلا كموظفين للدولة الريعية. المطلوب اليوم هو مراجعة التعليم مراجعة جادة، خصوصاً أداء الطالب والمعلم والمدرسة... وهي عملية صعبة في مجتمعات تقليدية محافظة، لكن التحديات العالمية تتطلب منا التعامل مع منتجات التكنولوجيا واستيعاب إمكانياتها الهائلة. وأخيراً نرى أن أمام دول الخليج تحديات كثيرة لا يمكن التصدي لها ما دامت هذه الدول مهيمنة على الاقتصاد والمجتمع... أي في ظل دولة الرعاية!