حين تؤرخ منى محمد الحمادي للوجود البريطاني في الإمارات المتصالحة، بالقاء الضوء على الأوضاع الإدارية في هذا الجزء من الخليج والجزيرة العربية خلال الفترة بين عامي 1947 و1965، فهي في الوقت نفسه تقدم لمحات مهمة عن التاريخ السياسي للمنطقة، والمراحل المختلفة لعلاقتها مع بريطانيا. اختارت المؤلفة عام 1947 كبداية لفترة بحثها، لأنه العام الذي انتقلت فيه إدارة شؤون الخليج الى وزارة الخارجية البريطانية في لندن، والعام 1965 ختاماً لمدة البحث، حيث آلت فيه رئاسة "مجلس الإمارات المتصالحة" إلى شيوخها أنفسهم. يتألف الكتاب من أربعة فصول: الإدارة البريطانية في الإمارات المتصالحة حتى عام 1965، بريطانيا والإدارة الأمنية في الإمارات المتصالحة، مجلس الإمارات المتصالحة، دور الإدارة البريطانية في تنمية الإمارات المتصالحة حتى عام 1965. وتمهد المؤلفة بفصل خاص عن تطور النفوذ البريطاني حتى عام 1945، وفيه توضح أن شركة الهند الشرقية البريطانية التي تأسست عام 1600، وتوسع نفوذها بمرور الوقت وأصبح لها جيش وأسطول بحري خاص بها، تمكنت من تصفية منافسيها الأوروبيين في الخليج (البرتغاليون، ثم الهولنديون، وأخيراً الفرنسيون)، قبل أن تصطدم بقوى محلية متنامية خاضت ضدها معارك شرسة انتهت بإبرام معاهدة صلح عام 1820، تلتها معاهدات أعوام 1835 و1843 و1902 و1911. لكن تلك المعاهدات لم تكن كافية لإيجاد آلية فعالة تمكن بريطانيا من مراقبة الأوضاع المحلية، لذا أقامت لنفسها نظاماً إدارياً فريداً من نوعه في منطقة الإمارات. تغوص المؤلفة في التفاصيل التي تبرز خصائص ذلك النظام وسماته المميزة؛ لتوضح أن الإدارة البريطانية في الإمارات مرت بمرحلتين مختلفتين: في أولاهما أدارت بريطانيا مصالحها في الإمارات انطلاقاً من الهند وعبر شركة الهند الشرقية البريطانية، ثم عبر حكومة الهند البريطانية، إلى أن استقلت الهند رسمياً عن التاج البريطاني عام 1947. وفي المرحلة الثانية، انتقلت الإدارة من الهند إلى وزارة الخارجية بلندن وصولاً إلى انسحاب بريطانيا من الخليج عام 1971. في المرحلة الأولى اعتمدت الإدارة البريطانية على مجموعة من الموظفين يتصدرهم المقيم السياسي في الخليج، ثم عينت في عام 1939 ضابطاً سياسياً في الشارقة توسعت صلاحياته تدريجياً إلى أن تم إلغاء منصب الوكيل المحلي نهائياً عام 1949. لكن النقلة النوعية في الإدارة البريطانية حدثت عام 1947 عندما انتقلت مسؤولية الإشراف على شؤون الخليج من حكومة الهند البريطانية إلى وزارة الخارجية في لندن. بيد أن خروج بريطانيا من الحرب العالمية الثانية منهكة، وتزايد اهتمام القوى الكبرى بمنطقة الخليج نتيجة للاكتشافات النفطية، دفع لندن إلى تغيير استراتيجيتها تجاه الإمارات، فقامت برفع درجة الضابط السياسي في الشارقة إلى معتمد سياسي، ثم أنشأت داراً للاعتماد البريطاني في دبي وعينت مساعداً للمعتمد السياسي في أبوظبي عام 1954، وافتتحت في عام 1961 داراً ثانية للاعتماد البريطاني في أبوظبي إثر اكتشاف النفط بكميات تجارية فيها. وتبنت الحكومة البريطانية سياسة توحيد الإمارات، فتم في عام 1952 إنشاء "مجلس الإمارات المتصالحة"، كهيئة إدارية تمثل الإمارات مجتمعة، وتشرف على سائر أعمال التنمية فيها. وحدثت النقلة النوعية في دور المجلس عام 1965، حين انتقلت إدارته لشيوخ المنطقة، لتبدأ مرحلة جديدة من حياة هذا المجلس لعب فيها الحكام دوراً أكثر فاعلية. أما المؤسسة الإدارية الثانية المهمة التي أنشأتها الإدارة البريطانية، فكانت "قوة ساحل عمان" التي تغير اسمها لاحقاً لتصبح "كشافة ساحل عمان"، وذلك لحفظ الأمن، وحماية نشاطات التنقيب عن النفط، ولتكوين كوادر محلية تتولى المناصب القيادية التي استأثر بها الضباط الإنجليز. ولعبت هذه القوة دوراً مهماً على الصعيد الأمني في الإمارات، حيث أمَّنت طرق السفر والتنقل بين إمارات البلاد، كما ساهمت في حماية الموظفين البريطانيين، إضافة إلى أنها تصدت للهجرة الأجنبية غير الشرعية للمنطقة ولتجارة الرقيق، وشاركت في شق الطرق، وكانت الأساس الذي قامت عليه المؤسسات الأمنية في الإمارات لاحقاً، لذا حظيت باحترام وتقدير حكام وأهالي المنطقة على حد سواء. وكما تذكر المؤلفة، فقد قامت بريطانيا بإنجاز مشروعات خدمية مهمة، وذلك رداً على الانتقادات الموجهة لها في الإعلام العربي والتي كانت تعتبرها السبب في تأخر المنطقة، لاسيما بعد دخول المدرسين العرب ومحاولتهم نشر أفكار معادية لبريطانيا. لذلك قامت الإدارة البريطانية بإنشاء اللجنة التعليمية التابعة لمجلس الإمارات المتصالحة عام 1958، وسعت إلى تدريب الكوادر المحلية وتهيئتها لتولي مهام التدريس، وقامت بافتتاح المدرسة الزراعية في رأس الخيمة عام 1957، ثم المدرسة الصناعية في الشارقة عام 1958، وبعدها المدرسة الصناعية في دبي عام 1964. كما عملت على توسيع خدماتها الطبية، خاصة من خلال مستشفى آل مكتوم الذي أنشئ عام 1949. ورغم ذلك فإن كل هذه المشروعات، كما تقول المؤلفة، لم تحدث تغييراً ملموساً على الساحة الداخلية الإماراتية، كما لم يترتب على نقل رئاسة مجلس الإمارات المتصالحة من المعتمد السياسي البريطاني إلى شيوخ الإمارات المتصالحة نفسها، إنجاز خطوات قوية في مسار التوحيد. أما التقدم الحقيقي على هذا المسار فكانت بدايته عام 1966، حينما تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في أبوظبي، لتبدأ مرحلة جديدة تم تتويجها عام 1971 بإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. محمد ولد المنى ــــــــــــــ الكتاب: بريطانيا والأوضاع الإدارية في الإمارات المتصالحة (1947- 1965) المؤلفة: منى محمد الحمادي الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2008