النمو العالمي هو الموضوع المهيمن في هذه المرحلة من عمر البشرية. ورغم أن التوسع الاقتصادي الكبير الذي أدى إلى رفع مستويات المعيشة في كافة أنحاء العالم، وإلى إخراج مليارات البشر من دائرة الفقر، يمر الآن في عقده الخامس، فإننا نرى الكثيرين يتساءلون حالياً: إلى متى يمكن لهذا النمو أن يستمر؟ ويرجع سبب هذا التساؤل إلى الارتفاع المتزايد في أسعار العديد من السلع والخدمات، وهو ما يمكننا ملاحظته يومياً في التكلفة المتصاعدة للوقود، والغذاء، وباقي السلع الضرورية الأخرى. هذه الزيادة في التكلفة وفي الأسعار هي التي تجعل المستهلكين في الدول المتقدمة يخشون من عودة ظاهرة "الركود التضخمي"، والتي تعني التضخم مقروناً بالنمو المتباطئ أو الركود الصريح، وتجعل سكان العالم الأكثر فقراً غير قادرين على الحصول على حاجتهم من الطعام. في نفس الوقت، نجد أن التغير المناخي، والتدهور البيئي أصبحا يهددان مستقبل كوكبنا وأن التزايد المستمر في عدد السكان، والثروات المتصاعدة، يضعان حملاً غير مسبوق على موارد الأرض، خصوصاً بعد أن أصبح هناك نقص في المعروض من كل شيء تقريباً، بدءاً من الطاقة والهواء النقي والمياه العذبة، وانتهاء بكل ما يغذي ويدعم أساليبنا الحديثة في الحياة. وفي نفس الوقت الذي يجتمع فيه قادة مجموعة الدول الثماني العظمى في "هوكايدو" باليابان، فإننا ندرك تماماً أن هذه القضايا قد باتت تؤثر علينا جميعاً؛ على الشمال والجنوب، على الأمم الكبيرة والصغيرة، على الأغنياء والفقراء. وعند التعامل مع مشكلات بهذه الأبعاد وهذا القدر من التعقيد فإننا يجب أن نعرف أنه ليس هناك أمامنا سوى سبيل واحد ممكن وهو أن نرى تلك المشكلات كما هي بالفعل، أي باعتبارها أجزاء من كل يتطلب حلاً شاملاً. إن جزءاً كبيراً من الحل، يجب أن يكون في صورة تنمية مستدامة، تشترك فيها الدول والمؤسسات المالية الدولية، والأمم المتحدة، والوكالات المختلفة، وتسعى من خلالها لتحقيق هدف واحد. وإذا ما تناولنا أزمة الغذاء، فسوف نجد أن هناك أسبابا عديدة لها، من بينها الإخفاق في منح الزراعة الأهمية التي تستحقها. وما نحتاج إليه في هذا الصدد هو "ثروة خضراء" من ذلك النوع الذي شهدته ذات مرة دول جنوب شرق آسيا، على أن يتم التركيز هذه المرة على المزارعين الصغار في القارة الأفريقية. فعندما نطبق المزيج الصائب من البرامج، لن يعود هناك سبب يحول بيننا وبين مضاعفة الإنتاجية خلال فترة قصيرة نسبياً، الأمر الذي يخفف من ندرة الكثير من المواد في مختلف أنحاء العالم. وفي "هوكايدو" سوف أدعو قادة الدول الثماني العظمى لمضاعفة المساعدات الرسمية التي يقدمونها لبحوث وتطوير الزراعة بمقدار ثلاثة أضعاف، خلال الأعوام الثلاثة القادمة، وإلى ضرورة العمل فوراً من أجل الحصول على البذور والأسمدة وغيرها من "المدخلات" الزراعية، وتوصيلها للمزارعين في الدول المعرضة لخطر المجاعة، وفي الموعد المناسب قبل حلول موسم الحصاد القادم. كما يجب علينا أيضاً أن ندعو إلى إزالة القيود التي فرضتها العديد من الدول على تصدير المواد الغذائية في الربيع الماضي، وكذلك الإعانات التي يتم تقديمها من وقت طويل، والتي تقدمها الدول المتقدمة لمزارعيها، فمثل هذه الحواجز الاصطناعية هي التي تشوه أنماط التجارة، وترفع الأسعار، وتساهم في تعميق الأزمات، وتعرض النمو العالمي للخطر. وإذا ما أضفنا إلى تلك المشكلات، مشكلة التغير المناخي، فإننا سنجد أن التنمية المستدامة يجب أن تحتل جزءاً كبيراً من الحل. فمعظم الخبراء يتفقون على أننا نقترب من نهاية عصر الطاقة الرخيصة. وإذا ما أخذنا ذلك في اعتبارنا، فسندرك أن التقنيات البديلة تمثل واحدة من بين أفضل آمالنا في الحصول على طاقة متوفرة وأكثر نظافة. وهنا أيضاً نجد أن "ثورة خضراء" قد بدأت بالفعل حيث يقول المسؤولون في "برنامج الأمم المتحدة للتنمية" إنه قد تم توفير تمويل جديد بقيمة 148 مليار دولار للطاقة المستديمة في العام الماضي، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 60 في المئة عن عام 2006، كما يوفر قدرة إضافية على توليد الطاقة تزيد بنسبة 23 في المئة عما هو موجود حالياً. إن دورنا كقادة وطنيين وكقادة دوليين، هو المساعدة على توجيه، وتسريع التحول الاقتصادي الناشئ. ولكي نقوم بذلك فإننا بحاجة إلى تغيير سلوكنا الاجتماعي، وأنماطنا الاستهلاكية في العالم المتقدم بصفة خاصة، كما يجب أن نقوم في ذات الوقت بمساعدة الدول النامية على "تخضير" اقتصاداتها من خلال نشر التقنيات الصديقة للبيئة على أوسع نطاق ممكن. يمكننا أن نتخذ خطوة كبيرة في "هوكايدو"، وذلك من خلال توفير التمويل الكامل لما يعرف بـ"صندوق التكيف العالمي" وذلك من أجل توفير إمكانيات التكيف مع التغييرات المناخية للدول الأكثر فقراً، كما يجب علينا أيضاً في هذا السياق الدفع باتجاه إجراء مفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاقية شاملة بصدد تخفيض انبعاثات الغازات من البيوت الزجاجية. في النهاية فإن قمة "هوكايدو" ستختبر أيضاً مدى التزامنا بتحقيق أهداف الألفية، ومنها تعهد المانحين بدفع 62 مليار دولار لقارة أفريقيا التي يواجه سكانها مشاكل عديدة، وذلك بحلول عام 2010، ويجب أن نلتزم بعهدنا في هذا الشأن. لم يحدث في أي فترة تعيها الذاكرة الحديثة أن كان الاقتصاد العالمي يواجه ضغوطاً مثل تلك التي يواجهها حالياً. واللحظة الراهنة، وأكثر من ذي قبل، هي لحظة لإثبات أننا قادرون على التعاون عالمياً، من أجل تحقيق نتائج في توفير احتياجات الجائعين والفقراء، وفي تعزيز تقنيات الطاقة المستدامة، وفي إنقاذ العالم من تداعيات التغير المناخي، وفي المحافظة على استمرار نمو الاقتصاد العالمي... ليس فقط لأن ذلك هو التصرف الصائب والذي يتعين علينا إنجازه، ولكن أيضاً لأنها الوسائل المستنيرة التي يمكننا من خلالها تحقيق مصالحنا الذاتية. ــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"