هل أصبحت الحرب بين إسرائيل وإيران أمراً لا مناص منه؟ فبالإصغاء إلى ما يقوله الرئيس الإيراني، أو إلى تصريحات وزير النقل الإسرائيلي- وهو إيراني الأصل-"شاؤول موفاز"، أو حتى بمطالعة التقارير الأخيرة التي تفيد بأن الدولة العبرية قامت بتدريبات عسكرية مهمة فوق البحر الأبيض المتوسط استعداداً لضربة محتملة ضد الجمهورية الإسلامية، لا يملك المرء سوى انتظار الحرب. ولم تساعد تصريحات "موفاز" في الشهر الماضي بشأن ضرب إيران في تبديد المخاوف والشكوك، بل زادت تصريحاته في إشعال أسعار النفط ورفعها إلى مستويات قياسية، مانحاً لأعدائه الإيرانيين بضعة ملايين إضافية من الدولارات المتدفقة من العوائد النفطية. والحقيقة أن كلا من "أحمدي نجاد"، و"شاؤول موفاز" يبنيان تصريحاتهما على تصورات مغلوطة، إذ ليس من الضروري أن تستعدي إيران وإسرائيل بعضهما بعضا، كما لا يمكن أبداً أن يطرح الخيار العسكري كحل للمأزق الحالي، أو للمشاكل العالقة بين البلدين. وحتى لو استثنينا التحديات اللوجستية التي تواجه عملية ضرب المنشآت النووية، وما سيترتب عنها من تداعيات إقليمية، يقر مؤيدو الضربة أنفسهم أن أي هجوم لن يساهم سوى في تأخير البرنامج النووي الإيراني لخمس سنوات أخرى. لكن أنصار الضربة يعولون على أن الشعب الإيراني سيتمكن خلال تلك الفترة وبمعجزة من المعجزات من الإطاحة بالنظام الديني الحاكم وتفكيك البرنامج النووي بشكل دائم. والحال أن هذه التوقعات غير المبررة تؤشر على مدى التهافت في تصور تل أبيب وواشنطن الذي يتجلى في الميل إلى التعامل مع أخطار وعواقب العملية العسكرية بتفاؤل مفرط، وفي الوقت نفسه التعاطي مع الوسائل الدبلوماسية بقدر كبير من التشكك. والواقع أن السيناريو الأقرب إلى التصور في حال تعرض إيران لهجوم هو انسحاب طهران كلياً من معاهدة حظر الانتشار النووي، مستحضرة المادة العاشرة من المعاهدة التي تعطي الحق لكل عضو بالانسحاب إذا وقعت أحداث استثنائية تمس المصالح العليا للدولة. وفي هذه الحالة ستوقف إيران كل جوانب التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقوم بطرد المفتشين الدوليين، وبذلك تحرم المجتمع الدولي من أدوات المراقبة والإشراف على برنامجها النووي. والأكثر من ذلك أن القيادة الإيرانية، إذا تعرضت للهجوم، ستتخذ القرار الحاسم بامتلاك السلاح النووي، وليس فقط القدرة التكنولوجية على تصنيعه، وفي الوقت نفسه ستصر على دورها كقوة مناوئة للوضع القائم في المنطقة. والنتيجة النهائية أن أية حملة قصف، حتى لو كللت بالنجاح، على إيران سواء قامت بها الولايات المتحدة، أو إسرائيل فقط ستحول إيران إلى بلد نووي تحركه الرغبة في الانتقام بعد خمس سنوات من الهجوم. وقد حذر من ذلك المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، عندما أكد مؤخراً أنه إذا انسحبت إيران من معاهدة عدم الانتشار، فإنها ستكون قادرة على تطوير سلاح نووي في غضون عام واحد. ولعل الأسوأ من ذلك، في حال وقوع الضربة العسكرية، أن ذلك سيقلص من احتمالات الانتقال الديمقراطي في الجمهورية الإسلامية، بل ربما زاد من راديكالية النظام والقوى الدينية المتشددة. ومهما تدنت شعبية الحكومة الإيرانية، فإن التوقعات بقيام نظام ديمقراطي وعلماني بعد الحملة العسكرية على إيران ينطوي على تفاؤل مفرط يذكرنا بالتقديرات الخاطئة لإدارة بوش عشية غزو العراق. والحقيقة أن الحرب على إيران ستكون بمثابة نعي للحركة الديمقراطية وليس المخلص الذي سيأتي بها إلى الساحة الإيرانية. لذا فإن أي جهد حقيقي لمعالجة التحدي الإيراني عليه أن يدرك أولاً الطبيعة السليمة للنزاع والمتمثلة في انتفاء الحتمية، أو الأمور الغيبية في الصراع بين إسرائيل وإيران. فالتنافس بين البلدين تحركه اعتبارات استراتيجية يمكن إدارتها، بل حتى حلها عبر الأدوات الدبلوماسية المناسبة. وفي هذا الإطار لا بد من إخضاع العلاقة بين إسرائيل وإيران لعملية الأخذ والعطاء تنهي طهران بموجبها دعمها للجماعات المسلحة وتعترف بالانشغالات الأمنية المشروعة لإسرائيل، على أن تقر الولايات المتحدة إسرائيل بدور لإيران يتناسب ووزنها الجيوسياسي، فضلاً عن الاستفادة من حضورها في البنى السياسية والاقتصادية بالمنطقة لتطويع الميول الثورية داخل إيران. إلى ذلك لا يمكن فصل العداء المستحكم بين إيران وإسرائيل عن النزاع العربي- الإسرائيلي، إذ بات واضحاً للجميع دور هذا الصراع المستفحل في تسهيل الاستراتيجية الإيرانية الرامية إلى زعزعة استقرار المنطقة. والواقع أن أي نظام إقليمي للأمن والتعاون في الشرق الأوسط لا يمكن إقامته دون تسوية للصراع العربي- الإسرائيلي، وعلى الدرجة نفسها من الأهمية يجب معالجة مسألة التسلح النووي في المنطقة. ولضمان الأمن في الشرق الأوسط، لا يقتصر الأمر فقط على الاعتراف المتبادل لإسرائيل والولايات المتحدة وإيران بحد أدنى من الدور في المنطقة، بل يتعين على إسرائيل التخلي عن تصورها القديم بأن النظام في المنطقة لا يقوم سوى على احتكارها السلاح النووي. لذا فإن الخيار الحقيقي على المدى البعيد ليس بين تعليق اليورانيوم، أو الحرب على إيران، بل بين شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي، وبين الانتشار غير المراقب والمنفلت من أي ضوابط. شلومو بن عامي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وزير خارجية إسرائيل السابق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تريتا بارسي رئيس "المجلس الوطني الأميركي- الإيراني" في الولايات المتحدة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"