محنة "الديمقراطية" الأوروبية... ومخاوف على استقرار الشرق الأوسط كارثة التهديد الإسرائيلي لإيران، وتراجع الديمقراطية الإيطالية، ومخاطر تربك الاستقرار السياسي في ماليزيا، وأزمة الشرعية الديمقراطية في أوروبا... موضوعات نعرض لها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة البريطانية. ضربة للاستقرار: مع الارتفاع التصاعدي لأسعار النفط، وبدء التحولات الإيجابية في العراق نحو الاستقرار أخيراً، فإن آخر ما يمكننا سماعه أن تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولاً جديداً نحو الأسوأ. ومضى المقال الافتتاحي لمجلة "الإيكونومست" في عددها الأخير إلى القول: والمؤسف حقاً أن تحولاً كهذا لم يعد مستبعداً. ففي خلال الأسابيع القليلة الماضية، تصاعد الجدل وردود الأفعال على المناورات الجوية التي أجرتها إسرائيل فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، في إطار استعدادات عسكرية لتوجيه ضربة محتملة لإيران، وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي بأنها أصبحت لا مفر منها إذا ما واصلت طهران أنشطتها النووية. وربما كان القصد من وراء كل هذا الضجيج والأفعال الإسرائيلية المؤدية إليه، مجرد إنذار لطهران وتهديد لها بما يمكن أن يجره عليها تماديها النووي. يذكر أن مجلس الأمن الدولي كان قد طالب إيران بالوقف التام لأنشطة تخصيبها لليورانيوم منذ عامين ماضيين، إلا أنها لم تفعل حتى الآن. وعليه فربما تكون الأفعال الإسرائيلية الأخيرة أكثر من مجرد تهديد. فحتى وقت قريب كانت تشير كل المؤشرات إلى ترجيح العمل الدبلوماسي مع طهران، على أمل إقناعها بوقف مفاعلات طردها المركزي المنتجة لليورانيوم المخصب. إلا أن تهديدات الرئيس الإيراني المتكررة بمحو إسرائيل، مصحوبة بتزايد مخاوف إسرائيل من أن يصل إلى البيت الأبيض رئيس "ديمقراطي" مثل باراك أوباما في العام المقبل -ما قد يعطل اتخاذ فعل عسكري إزاء طهران فيما لو استدعت الضرورة- يدفعانها معاً نحو توجيه ضربة أحادية إلى طهران، بصرف النظر عن النتائج والتداعيات الإقليمية والدولية. ولو مضت إسرائيل عملياً في هذا الخيار، فإنها ستكون ضربة قاصمة للاستقرار الإقليمي والدولي، قبل أن تكون تأديباً لطهران. انتكاسة للديمقراطية الإيطالية: جاء في افتتاحية صحيفة "ذي أوبزيرفر" الصادرة يوم الأحد الماضي، أن من مفارقات النظام الديمقراطي، مطالبته باحتمال العناصر السياسية ذات النزعة المعادية للديمقراطية من الأساس. وهذا هو عين الذي ينطبق على رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني، الذي أمضى 50 يوماً من تسلمه لمنصب رئيس الوزراء الذي كان قد شغله من قبل مرتين 1994-95 ثم 2001-2006، لم يحقق فيها أياً من وعوده التي انتخب على أساسها. بل تشير ممارساته كلها حتى الآن، إلى الدفع الحثيث بإيطاليا نحو حقبة جديدة، ذكّرت الكثيرين بماضي العهد الفاشي. وشملت وعود بيرلسكوني تلك الإنعاش الاقتصادي، ومساعدة بلاده على مغادرة خانة أبطأ الدول الأوروبية نمواً التي لم تبرحها قط، إلى جانب الانقضاض على الجريمة والهجرة غير الشرعية. غير أن الذي حققه بيرلسكوني من تلك الوعود حتى الآن، هو النقيض تماماً، إذ ازدادت في إيطاليا ممارسات التمييز العرقي، واستهداف فئات الأطفال المتسولين والتهديد بانتزاعهم من آبائهم...إلى آخره. والأخطر من هذا على صعيد الممارسة السياسية، سعيه لتحوير التشريعات بحيث يوفر حماية أكبر لنفسه من تهم الفساد التي ظلت تلاحقه منذ عدة سنوات. ويتلخص هذا السعي في محاولته تمرير تشريع جديد يقضي بتحصين الشخصيات القيادية العامة -وهو واحد منها بالطبع- من الاتهام الجنائي والمدني. الاضطرابات الماليزية: كتب "شولتو بايرنز" مقالاً تحليلياً في عدد صحيفة "الجارديان" ليوم أول من أمس قال فيه إن ماليزيا اتسمت دون غيرها من دول جنوب شرق آسيا بالاستقرار السياسي طوال الخمسين عاماً الماضية. إلا أن الأمور بدأت بالاختلاف تماماً خلال الثلاثة أشهر الأخيرة الماضية. وفي مقدمة هذا الاختلاف تجدد توجيه اتهام المثلية إلى رئيس المعارضة أنور إبراهيم، في وقت عجز فيه تحالف "باريسان ناشونال" الحاكم عن الفوز بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان الحاسمة، في المرة الأولى طوال الخمسين عاماً الماضية، في انتخابات شهر مارس الأخيرة، في حين تصاعدت آمال تحالف "باكتان راكيات" المعارض في وصوله إلى سدة الحكم بحلول السادس عشر من سبتمبر المقبل، والذي يصادف توسع دولة الملايا المستقلة إلى ماليزيا الحالية في عام 1963. ولا تشكل هذه التطورات سوى جزء خارجي يسير من حقيقة أن "جِني" النزاع الداخلي الماليزي قد أوشك على الإفلات من قمقم الزجاجة، علماً بأنه نزاع له وجهه الديني والعرقي، وله صلة بحرية التعبير، وبنمط القيم الليبرالية الغربية الذي ساد ماليزيا طوال العقود الماضية. فهناك أصبح التسامح السياسي وقيم المجتمع التعددي على محك خطير. محنة الشرعية الديمقراطية: علقت صحيفة "ذي إندبندنت" في عددها الصادر أمس عن هذه المحنة، على خلفية الجهود التي تبذلها فرنسا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في دورته الجديدة التي يتوقع لها أن تستمر لمدة ستة أشهر، لتمرير معاهدة "لشبونة" المثيرة للجدل والخلاف الأوروبيين، والبدء في تطبيق بنودها عملياً، كي يكون ذلك أهم إنجاز سياسي تحققه دورة رئاستها الحالية للاتحاد. والمعضلة التي تواجهها المعاهدة أن أيرلندا رفضتها عبر استفتاء شعبي أجري الشهر الماضي، بينما يهدد الرئيس البولندي "ليتش كازانسكي" برفضها، على رغم مصادقة البرلمان عليها سلفاً، وإعلان رئيس الوزراء التزامه بها أيضاً. غير أنه ما من سبيل لهذه المعاهدة أن تجد طريقها إلى التطبيق ما لم ترد إشارة ضوئية خضراء عليها من العاصمة الأيرلندية دبلن، في حال تمكن حكومتها من تغيير نتيجة الرفض الأولى، إلى نتيجة موجبة عبر استفتاء شعبي ثان يجري عليها. ومن دون هذا الإجراء فسوف تواجه الديمقراطية الأوروبية بأزمة شرعية أكيدة. إعداد: عبدالجبار عبدالله