عزيزي السيناتور ماكين... وعزيزي السيناتور أوباما: من الواضح أنكما منخرطان في نقاش مهم على هامش حملتكما الانتخابية حول ما إذا كان مناسباً الحديث إلى إيران والجلوس معها إلى طاولة المفاوضات، لكني على يقين أنكما تعرفان جيداً أن النقاش الجاري حالياً ليس سوى تمرين سياسي تفرضه الحملة الانتخابية، ولن يكون ذا صلة أو أهمية في حال صعود أحدكما إلى سدة الرئاسة. فحالما يدخل أحدكما المكتب البيضاوي حتى يجد نفسه وجهاً لوجه أمام الموضوع الإيراني الذي لاشك أنه سيستحوذ على وقتكما أكثر من أي موضوع آخر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وستتذكران أن الثورة الإيرانية عام 1979 كانت حدثاً تاريخياً حقيقياً لا يختلف عن تلك الأحداث المهمة التي طبعت تاريخنا المعاصر مثل الثورة الروسية عام 1917، لكن مع الأسف لم تعرف الولايات المتحدة قط كيف تتعامل معها. وللإحاطة بالملف النووي الإيراني ستجمعان حولكما خبراء الاستخبارات من كافة التخصصات الموجودة، وستطلبان المساعدة على فهم إيران وكشف أسرارها المكنونة. لكن ما سيقوله خبراء الاستخبارات هو نفسه الذي أسمعوه للإدارة الحالية: إننا لا نعرف على وجه الدقة كيف يعمل النظام الإيراني، فهناك على الأقل أربعة فصائل داخلية يبدو أنها تنظم عمل بعضها البعض من دون أن تكون لدينا فكرة واضحة عن أسلوب العمل، أو طريقة التنسيق بينها. وسيتابع رجال الاستخبارات أننا لا نفهم الإيرانيين لأنهم لا يفهمون أنفسهم، حيث مازال النظام في طهران لا يعرف ما إذا كان حركة أيديولوجية تدافع عن الجهاد العالمي وتسعى إلى تصدير الثورة والترويج لها، أم أنه مجرد قوة إقليمية تسعى إلى بسط هيمنتها على الشرق الأوسط. وحتى ينجلي هذا الغموض في السياسة الإيرانية وتتضح الأمور يمكن الحديث إلى إيران كيفما شئتما من دون أن يعني ذلك أن إيران مستعدة في المرحلة الحالية إلى تبني تغيير استراتيجي في المنطقة، أو سلوك طريق أكثر مرونة. وبينما أنتما في المكتب البيضاوي تفكران في طريقة للانخراط مع إيران، فإن همكما الأساسي لن يكون متى يمكن التفاوض مع الجمهورية الإسلامية، بل ستفكران في الطريقة الأفضل لممارسة الضغط على النظام. وفي غضون ذلك، وأثناء التفكير المؤرق أحياناً ستبديان تعاطفاً غير مسبوق مع إدارة الرئيس بوش، إذ رغم مئات الأشياء التي كان على الإدارة القيام بها ولم تقم، ورغم الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها، فإنكما سرعان ما ستدركان أن الفشل في احتواء إيران خارج عن نطاق واشنطن ويرجع إلى عوامل أخرى قد لا تكون لإدارة الرئيس بوش علاقة مباشرة بها. والحقيقة، كما ستدركانها لاحقاً، أن الفشل راجع إلى ضعف المجتمع الدولي وانعدام الفعالية في تحركاته. فقد أصدرت الأمم المتحدة سلسلة من القرارات التي تطالب فيها إيران بوقف التخصيب النووي، لكنها تجاهلتها تماماً وأدارت لها ظهرها. ومع أن مجلس الأمن الدولي أصدر قراره رقم 1701 الذي يمنع إعادة تسليح "حزب الله" في لبنان، إلا أن إيران أعادت تسليحه دون مشاكل. لكن الفشل راجع أيضاً إلى عجز العالم السُّني المتاخم لإيران، رغم توجّسه الشديد من سطوتها في القيام بأي شيء، مضافاً إلى ذلك ما يمكن أن يطلق عليه محور الجشع. ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة جاهدة إلى حشد التأييد الدولي لفرض عقوبات اقتصادية على إيران، يُستقبل الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، في إندونيسيا، وتوقع الهند اتفاقية لمد خط أنابيب مع إيران. والأكثر من ذلك أن "منظمة شنغهاي للتعاون" التي ترأسها كل من روسيا والصين منحت إيران وضع المراقب، في الوقت الذي رفضت منح ذات الوضع إلى الولايات المتحدة في العام 2005. والواقع أن مشكلة تعدد القطبية في العالم هي أن كل من يتولى المسؤولية يصبح غير مسؤول، لتستطيع دولة غنية ومارقة انتهاك قرارات الأمم المتحدة، وضرب الإرادة الدولية بعرض الحائط دون محاسبة. وفي الوقت الذي ستدخلان فيه البيت الأبيض وتجلسان على الكراسي الوثيرة ستكون إيران قد قطعت شوطاً كبيراً في مشروعها. وانسوا تصريحات الحملة الانتخابية المتصلبة لأنكما ستجربان أي شيء يمكن أن يقود إلى حل. فإذا أراد السعوديون إطلاق الحوار مع إيران، فإنكما ستساندانهم بهدوء، وإذا قررت الجامعة العربية الانخراط في حوار مع إيران، فلا شك أنكما ستباركان الخطوة وتدعمانها. أما إذا اعتقد الإسرائيليون أنه من الأفضل التفاوض مع سوريا لفصلها عن إيران فإنكما ستقبلان الاقتراح وستجربان المحاولة لعلها تفضي إلى شيء ما. ومع أنكما لستما متأكدين من نجاح تلك المحاولات وإقناعها لإيران بعدم حيازة السلاح النووي، إلا أنكما ستمضيان قدماً في طريق الحوار، لأنه لا أحد يعرف إلى ما ستؤول الأمور. وهكذا ستمضيان أكثر وقتكما ليس في تحدي إيران ومشاكستها، بل فقط في محاولة احتواء نفوذها وتحجيم ارتداداته في المنطقة، وستقضيان المدة الطويلة نفسها تتساءلان ما إذا كان ممكناً جر سوريا إلى المعسكر الغربي، ما دام لا أحد يعرف ما يدور في ذهن الرئيس بشار الأسد. وستحاولان بالموازاة مع ذلك تعزيز قرارات الإدارة السابقة بتقييد حركة المسؤولين السوريين والحد من معاملاتهم المالية، لكن ليس واضحاً ما إذا كان ذلك سيأتي بالنتائج المرجوة، أم أن الأمر سيكون شبيهاً بالعقوبات على إيران. وستعملان بكل جهد، على غرار إدارة الرئيس بوش، لضمان عدم تفكك الحكومة اللبنانية، لكن قدرة "حزب الله" العسكرية باتت بالقوة التي لم يعد ممكناً معها حرمانه من حق الاعتراض في السياسة الداخلية. وستجدان نفسيكما تخوضان حرباً أيديولوجية متعددة الجبهات، حيث يوجد من جهة إيران التي تحرك أوراقها، ومن جهة أخرى محاولاتكما لملمة تحالف المعتدلين في المنطقة. وسيقتصر دوركما على كبح الزخم الإيراني ريثما تتغير علاقات القوة، إذ في مقابل كل تلك الأخبار المتشائمة هناك فسحة من الأمل. فقد بدأ الرأي العام في المنطقة ينقلب على التطرف، وهو ما لمسه العديد من المراقبين سواء تجاه "القاعدة" في العراق، أو "حزب الله" في لبنان. ومع أن هذه التحول لن يحدث بين ليلة وضحاها، أو على المدى القريب، إلا أنه وكما قال "دنيس روس": عندما يحكم الإسلاميون يستنفدون الطاقة على استضافتهم. ــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"