الماء هو سر الحياة وأهم مقوماتها بعد الهواء، بدونه تستحيل الحياة، وهو العنصر الأساسي في تكوين الأجسام الحية ويشكل 70% من مساحة اليابسة و65% من وزن الإنسان والكائنات الحية، ودوره كبير في سير التفاعلات الكيميائية الحيوية، وتغيير سطح الأرض، وفوائده كثيرة وعديدة تشمل جوانب الحياة المختلفة، بما فيها الزراعية والطاقة والمواصلات. ويقول الله في كتابه الكريم: "وجعلنا من الماء كل شيء حيٍّ". والمياه المعدنية التي تعرف بكونها مياهاً تنبع من خزانات جوفية في باطن الأرض وتستخرج بطريقة سليمة وصحية من الينابيع والمسارب الجوفية والآبار والأنفاق المائية، ضمن مواصفات صحية تجعلها تختلف عن المياه العادية من حيث نقاوتها الأصلية وما تحتوي عليه من أملاح معدنية. هذه المياه المعبأة في زجاجات، والمنتشرة الآن في كل مكان، والتي شهدت في السنوات الأخيرة إقبالاً شديداً عليها، ومنافسة من الشركات المصنعة بهدف السيطرة على السوق المحلي لأهمية الأرباح المالية الكبيرة التي تحققها والثروات الطائلة التي يجنيها أصحابها على حساب جفاف بعض المناطق النائية التي تنبع فيها... هذه المياه تثار حولها اليوم كثير من التساؤلات والاتهامات، خاصة بعد الدراسات العديدة والتقارير التي تشير إلى أن المياه المعدنية هي مجرد خدعة حيث إنها لا تختلف كثيراً عن الماء العادي الذي يصل إلى منازلنا عبر شبكة المياه العامة. ويكفي هنا أن نستشهد بمثالين: الأول: ما أشارت إليه منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) من أن ما تحتوي عليه المياه المعدنية المعبأة من قيمة غذائية وصحية، ليس أكثر مما تحتوي عليه مياه "الصنابير"، فهي تحتوي على كميات صغيرة من المعادن الضرورية مثل الكالسيوم والمنجنيز والفلورايد، وهذه حال كثير من مياه الصنابير الآتية من شبكات التوزيع، حيث أشارت الدراسات التي أجريت في هذا المجال، إلى أنه بالفعل لا يوجد فرق بين المياه المعدنية المعبأة ومياه الصنابير في معظم الدول المتقدمة. الثاني: الدراسة التي أجريت في المملكة العربية السعودية والتي أشارت إلى أن التحاليل الجرثومية والكيميائية والمسح اليومي الشامل لعينات المياه التي تنساب عبر شبكة المياه العامة بمدينة الرياض، أثبتت أنها تفوق في جودتها مياه الشرب المعبأة، وأنها تخلو من أي تلوث كيميائي أو جرثومي أو عضوي أو غير عضوي، وذلك لأنها تمر بمراحل تنقية عديدة وفق توصيات منظمة الصحة العالمية. المشكلة إذن تتركز في كمِّ الدعاية التجارية المبالغ فيها والتي تصف هذه المياه بأنها "أكثر جودة" من غيرها، وأنها "صحية ونقية ومعقمة"، مما يجعل الناس يتهافتون على استهلاكها ويحجمون عن شرب غيرها، رغم الاتهامات الكثيرة التي أصبحت تثار حولها، بما في ذلك كونها تعتمد على مياه التحلية أو المياه العادية. وإضافة إلى ذلك، نشرت صحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية تقريراً اتهم إحدى أكبر شركات إنتاج وتسويق المشروبات في العالم، بأنها تقوم ببيع مياه الشرب العادية على أنها مياه معدنية، وأن شركة مياه بريطانية مشهورة هي أيضاً، قالت بصراحة إن مياه الشرب التي تصل إلى المنازل عبر شبكة المياه العامة أصلاً نقية ومعقمة. إن سوق المياه المعدنية المعبأة في الإمارات يحتاج اليوم إلى إعادة نظر ومراجعة شاملة، وإلى دراسات دقيقة، خاصة بعد أن أصبحت الإمارات تحتل المرتبة الأولى آسيوياً في استهلاك الفرد للمياه المعبأة، حسب إحصاء نشرته مجلة "عالم الغذاء"، وبعد أن أصبحت الشركات المصنعة تتنافس بقوة للوصول إلى المستهلك بأي طريقة، إلى درجة أن بعض المحلات التجارية الصغيرة أصبحت تبيع مثل هذه المياه المعبأة بعناوين معينة وماركات وعلامات تحمل اسمها، وهذا يعني أن المواطن الإماراتي أصبح هدفاً لهذه اللعبة التجارية التي تستنزف الكثير من أمواله لشراء هذا المنتج.