بصفته عالماً خبيراً بمجال الأسلحة النووية، يناقش المؤلف "ستيفن يونجر" في هذا الكتاب، الوضع الأمني الدولي لعالم ما بعد الحرب الباردة، وهو عالم يمثل فيه انتشار أسلحة الدمار الشامل -وفي مقدمتها خطر الانتشار النووي- إقليمياً ودولياً، التهديد الرئيسي لبقاء الجنس البشري. وإلى جانب هذا الخطر، يناقش المؤلف في السياق نفسه، المخاطر الأمنية الأخرى ممثلة في النزاعات المسلحة والحروب الإقليمية، إضافة إلى الإرهاب وانتشار العنف عموماً. ولا يكتفي الكتاب بمجرد مناقشة هذه المخاطر وتفسير ما تمثله من تهديد جدي لبقاء الجنس البشري فحسب، وإنما يمضي بمناقشته إلى نتيجتها المنطقية، التي يقدم فيها تصوراً لكيفية تفادي الخطر وبناء عالم جديد يقوم على نبذ ثقافة العنف وبناء السلام الدائم. يقول المؤلف: "لقد أمضيت ما يزيد على عشرين عاماًَ من العمل المستمر في مجال الأسلحة النووية. ولما كنت مسالماً دائماً وكثير الانشغال بكيفية التخلص من ترسانة الأسلحة النووية العالمية، فما أكثر ما تساءلت عما إذا كان العنف من طبيعة النفس البشرية وأصلاً فيها؟"، وتجيء الإجابة من عنده ذات حدين: "نعم" لأن العنف موجود في كافة الثقافات والمجتمعات البشرية تقريباً. و"لا" لأن ممارسات العنف قد تندر في بعض المجتمعات، وتصبح جزءاً لا يتجزأ من روتين الحياة اليومية لمجتمعات أخرى. فما الذي يمكن استنتاجه من هذا؟ تشير تجارب التاريخ، كما يقول المؤلف، إلى نزوع الأنظمة الأتوقراطية المستبدة إلى خوض الحروب ضد إرادة شعوبها غالباً، بينما لا تشير التجارب نفسها إلى خوض دولتين ديمقراطيتين حرباً مشتركة بينهما قط. إذن وبذات المنطق، فإن في انتشار الأنظمة الأتوقراطية خطراً كبيراً على البشرية، لأنه يؤدي إلى تفشي العنف والرغبة في تدمير الآخر. لكن ألا تشير تجارب التاريخ نفسها إلى حالات متكررة، اعتدت فيها قوى ديمقراطية ذات وزن عالمي، على أمم صغيرة مستضعفة، ودون وجه حق أو مبررات سوى الجشع والطمع؟ هنا يتجه الكاتب إلى مناقشة دلالات المغامرة الأميركية الماثلة الآن في العراق، ويمضي في تحليلها ليستنتج أنها لا تتفق والروح القومية الأميركية، التي ليس من طبيعتها اللجوء إلى العنف وسيلة أولى أو وحيدة لحل المشكلات. غير أن ذلك لا يقلل من نظرة المؤلف إلى الرئيس بوش باعتباره -والأوصاف منسوبة إلى الكاتب- قائداً يتحلى برؤية سياسية ثاقبة، قادرة على وضع القيم الديمقراطية في مكانها الصحيح من مكافحة الإرهاب الدولي، والتصدي لـ"ثقافة التطرف والعنف التي يصدر عنها". ورغم الانتقادات الموجهة إلى الحرب، خاصة لإدارة عراق ما بعد الحرب، فإن المنحى الذي اتخذه بوش فيها لا يزال "صحيحاً" من زاوية التأكيد على إيمانه الشخصي بقيمة الديمقراطية ومدى فعاليتها في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه. ويبقى ما تحقق عملياً على الأرض شيء، والرغبة في تحويل منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من العراق، إلى واحة للديمقراطية، شيء آخر، كما يقول الكاتب. غير أن مادة الكتاب لا تنحصر في منطقة الشرق الأوسط وحدها، حتى إذا ما أخذنا في الاعتبار ما تمثله الأزمة النووية الإيرانية الراهنة من خطر جدي تواجهه البشرية من انتشار السلاح النووي الذي يعد الأكثر فتكاً ودماراً، بل وحتى ما أضفنا إليه الاضطرابات السياسية في باكستان مؤخراً، بكل ما تعنيه من زيادة من خطر فيما لو تمكنت الجماعات المتطرفة من الوصول إلى ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية. وتتسع مناقشة الكاتب لهذه المخاطر، إلى تفسير مصطلح انتشار أسلحة الدمار الشامل، في ظل الظروف الأمنية والإقليمية المحيطة بعالمنا الحالي، بأنه أصبح في وسع أي أفراد أو جماعة أن تحصل على هذه الأسلحة وتستخدمها لتحدث مذبحة بشرية يصعب تصورها. وفي ظل الظروف نفسها، فإن تسارع وسهولة الاتصالات وخدمات النقل، إنما يشيران إلى إمكانية حدوث مذبحة مروعة كهذه بأسرع مما نتصور. وربما كان استشعار المؤلف لهذا الخطر، هو الذي حثه على النظر إلى الأمر من زوايا التاريخ والسيكولوجيا الاجتماعية والعلوم السياسية والعسكرية والتكنولوجيا وغيرها، على أمل الوصول إلى خطة من شأنها درء هذا الخطر الذي يهدد وجود النوع البشري. والعامل الأهم في هذا البحث، أنه لم يعد من الوقت ما يمكن إهداره في تطوير الخطة الملائمة. وفي عودة أخرى إلى الدور القيادي الذي ينبغي على الولايات المتحدة أن تلعبه في درء خطر انتشار أسلحة الدمار الشامل، يقول إن عليها أن تحفز مسيرة التحول الديمقراطي في الدول التي لا تزال تفتقر إليها، وذلك بدعمها للعمليات الانتخابية النزيهة الحرة، ومحاربتها لممارسات الفساد، فضلاً عن تشجيعها لسيادة القانون. أما في الجانب الاقتصادي المكمل لمساعي التحول نحو الديمقراطية، وإلى ثقافة دولية إقليمية قوامها نبذ العنف، فيرى الكاتب أن على أميركا أن تساند الاستثمارات الصغيرة في الدول النامية الخاضعة للأنظمة الشمولية المستبدة، وأن تدعم سياسات الإصلاح الزراعي والتعليمي بهدف قهر الفقر والحرمان، ذلك أن الفقر والاستبداد السياسي، هما أساس العنف ومنبعه. عبد الجبار عبد الله الكتاب: النوع المهدد بخطر الانقراض: كيف نتفادى الدمار الشامل ونبني السلام الدائم المؤلف: ستفين إم يونجر الناشر: دار "هاربر كولينز" للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2008