كتاب جديد لـ"سكوت ماكليلان" الناطق السابق باسم البيت الأبيض، يؤكد فيه الاتهامات التي لا يني "الديمقراطيون" من الجناح اليساري عن توجيهها لبوش ورجاله بالتورط في خداع الشعب الأميركي بشأن العراق. وتأتي أهمية كتاب "ماذا حدث: داخل بيت بوش الأبيض وثقافة واشنطن في الخداع"، من كونها بقلم رجل من الدائرة الضيقة لبوش، رجلٌ عمل معه منذ أن كان حاكماً لولاية تكساس عام 1999، كما شارك في الحملة الانتخابية التي قادته إلى البيت الأبيض عام 2000، قبل أن يشغل منصب المتحدث الرسمي باسمه لست سنوات كاملة دافع فيها عن سياسات رئيسه بدأب وحماس. وقد أحدث نشر الكتاب في واشنطن، الشهر الحالي، دويّاً كالقنبلة، لدرجة دفعت بعض كبار موظفي الإدارة السابقين والحاليين إلى اتهام "ماكليلان" بعدم الولاء والافتقار إلى المصداقية، وباستغلال معلومات متفرقة واستنتاجات ليست مؤكدة كي يقيم عليها بناءً من الاتهامات بحق الرئيس ورجاله. ويرى بعض المسؤولين السابقين أن الغضب الذي يشعر به ماكليلان تجاه بعض زملائه السابقين، ورغبته ربما في جمع بعض الأموال من خلال بيع كتابه، هو دافعه إلى ذلك. ويتهم ماكليلان في كتابه بوش وثلاثة من كبار المسؤولين، هم "ديك تشيني" و"كارل روف" و"سكوتر ليبي"، بالتورط في خداع الشعب الأميركي، ويقول إنه هو نفسه قد نقل دون أن يدري معلومات تلقاها من هؤلاء الرجال إلى الشعب على أنها معلومات صحيحة. وفي الفصل المعنون "تسويق الحرب"، يتهم المؤلف الإدارة بأنها عملت على إخفاء الحقيقة، وأنها أدارت حملة التمهيد للحرب بطريقة لم تترك لدى الشعب الأميركي أي شك في أن الحرب خيار وحيد، ويكتب في هذا الفصل: "على مدار صيف عام 2002، عمل كبار مساعدي بوش على رسم الخطوط العريضة لاستراتيجية تسويق الحرب للشعب الأميركي بأسلوب ضاغط". يقول ماكليلان: "كل ما كنت أعرفه أن الحرب تشن فقط عندما تكون ضرورية، أما حرب العراق فلم تكن ضرورية على الإطلاق من وجهة نظري". وفيما يتعلق بقضية تسريب اسم "فاليري بالم" موظفة "سي. آي. إيه"، يقول "ماكليلان" إنه نفى خلال مؤتمرات صحفية عدة، أية صلة للرئيس ومساعديه بالتورط في نشر اسم عميلة المخابرات، لكن تبين زيف ذلك الأمر عندما تم القبض على "سكوتر ليبي" مدير مكتب تشيني وإدانته بتهمة الكذب والحنث بالقسم. ويصر "ماكليلان"، الذي يقول إنه لا يزال يحمل كل الود لرئيسه السابق، على أن الرئيس لم يكن يعرف أن كبار رجاله متورطون في حملة لتلطيخ سمعة عميلة الاستخبارات، بسبب رغبتهم في الانتقام من زوجها "جوزيف ويلسون" الذي كان من كبار المنتقدين للإدارة، وكان يتهم الرئيس ومساعديه بأنهم قد زوروا الحجة التي استندوا إليها في إقناع الشعب الأميركي بمبررات غزو العراق. ويشير ماكليلان في كتابه إلى الوعد الذي قدمه بوش عام 2003 عندما قال إنه لن يتردد في إقالة أي أحد في إدارته، يثبت تورطه في تسريب اسم العملية، لكنه لم يفِ بهذا الوعد بل دأب منذ ذلك الحين على التملص من أسئلة الصحفيين وأسئلة المدعي العام في هذه القضية. ولا يجد ماكليلان حرجاً في توجيه بعض الانتقادات لبوش شخصياً، ومنها مثلاً افتقاره إلى حب الاستطلاع، وعدم رغبته في استقصاء الأمور حتى نهايتها، وأن نمط شخصيته انعكس على أسلوب عمل طاقم البيت الأبيض، وجعل أفراده يمارسون أعمالهم وكأنهم يعيشون في جو حملة دائمة. كما يصف وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بأنها خبيرة في فنون صد الاتهامات الموجهة إليها، أما نائب الرئيس ديك تشيني فيصفه بأنه الرجل الساحر الذي كان يدير السياسة الأميركية كلها من وراء ستار دون أن يترك وراءه أي بصمات أصابع. والصورة التي يقدمها ماكليلان عن بوش الذي عمل تحت قيادته طويلاً، توحي بأن رئيس الولايات المتحدة منقطع الصلة بما يدور حوله في العالم، وأنه يرفض الاعتراف بأخطائه، حتى لو كانت واضحة، لكنه -مع ذلك- ينفي ما يقال من أنه رجل ذو إمكانيات ذهنية محدودة، ويقول إنه رجل ذكي بلا شك، وإن ذكاءه يؤهله لأن يتولى منصب رئيس الولايات المتحدة، وكل ما هنالك أنه يحاول أن يصور نفسه في صورة الرجل غير القادر أو غير الراغب في إرهاق نفسه بالتفكير في مهام منصبه العديدة. ويرى الكثير من النقاد أن هذا الكتاب يمكن أن يتخذ دليلاً في توجيه الاتهام للرئيس بالتقصير في أداء مهام منصبه، وأنه رغم كون ماكليلان شخصياً لم يذهب إلى حد اتهام بوش بالكذب، فإن اليسار سوف يأخذ ما جاء في الكتاب للقفز إلى الاستنتاج بأن بوش كذب بالفعل بشأن حرب العراق، وأن هذا الكذب ترتبت عليه أكلاف مادية باهظة وخسائر بشرية فادحة للعراقيين والأميركيين على حد سواء، ووضع أميركا ذاتها في مأزق تحاول الخروج منه بلا جدوى. بيد أن الشيء المؤكد، رغم ذلك، هو أن صدور هذا الكتاب في هذا التوقيت بالذات سيرفع السباق الانتخابي الأميركي إلى مستوى جديد من الإثارة. سعيد كامل الكتاب: ماذا حدث: داخل بيت بوش الأبيض وثقافة واشنطن في الخداع المؤلف: سكوت ماكليلان الناشر: بابليك أفيرز تاريخ النشر: 2008