تحظى قضية تطوير التعليم والارتقاء بمخرجاته إلى المستوى المطلوب، بأهمية خاصة ضمن خطط وأولويات "استراتيجية الحكومة الاتحادية"، وهذا التوجّه يأتي منسجماً مع التطورات الجذرية المستمرة التي تشهدها مسيرة التنمية في الإمارات، والتي تستلزم في المقابل تطويراً موازياً على صعيد النظام التعليمي. وفي هذا السياق، فقد تم اتخاذ خطوات عديدة يتوقع أن تكون لها انعكاساتها الإيجابية المباشرة لجهة تحديث شامل للمنظومة التعليمية بأكملها. ومنها قرّر المجلس الوزاري للخدمات مؤخراً، تشكيل لجنة لتطوير المناهج الوطنية بوزارة التربية والتعليم. وفي سياق المساعي المتواصلة التي تبذلها الدولة في هذا الاتجاه، جاء القرار الذي أصدره، قبل أيام قليلة، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بإنشاء "مجلس التنسيق والتكامل التعليمي" بالدولة، والذي نص على تكليف وزير التربية والتعليم برئاسة المجلس، وعضوية مدير عام الوزارة أميناً عاماً للمجلس، ومديري "مجالس التعليم المحلية" في الدولة، وعضوين ممثلين عن قطاع التعليم الخاص. ويستمد هذا القرار أهميته من اعتبارات عدة أساسية: أولها، الحاجة للتنسيق والتكامل بين مختلف "مجالس التعليم" التي تم تأسيسها في الدولة، فمنذ إنشاء هذه المجالس (عددها 4 حالياً توجد في كل من أبوظبي، ودبي، والشارقة، والفجيرة) صار من الضروري إيجاد (مجلس أعلى) ينظم أعمالها، وفق رؤية واستراتيجية واحدة وواضحة. ثانيها، سيعمل المجلس الجديد على تعزيز منظومة التعليم في الدولة، وتنفيذ برامج العمل المشترك بين وزارة التربية والتعليم ومجالس وهيئات التعليم الموجودة بمختلف الإمارات، لتحسين المخرجات التربوية، ورفع الكفاءات المهنية والبشرية. ثالثها، يرسخ القرار قيم العمل المؤسسي على المستوى الاتحادي، كونه يعزز الدور التخطيطي والإشرافي والرقابي لوزارة التربية والتعليم، ويحقق التكامل المنشود على صعيد تخطيط السياسات التعليمية. رابعها، سيؤدي المجلس الجديد إلى تعزيز نهج "اللامركزية في إدارة التعليم"، والتي تسعى الوزارة إلى تطبيقها وتفعيل دورها في مسيرة تطوير التعليم بالدولة، ولأن المجلس سيسعى إلى التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ومجالس التعليم بالدولة، للارتقاء بالمنظومة التعليمية وفق المعايير الوطنية، فإنه سيؤدي إلى تعميق أواصر التعاون والتكامل بين الوزارة والمجالس التعليمية المحلية. خامسها، تأسيس المجلس يعني وجود مظلّة تستوعب كل إدارات ومراكز التعليم بالدولة، ما يعني تخفيف العبء، وتبسيط الإجراءات، لأن الكل سيعمل تحت كيان مؤسسي واحد. ولا شك في أن هذا القرار يعكس توجّهاً استراتيجياً لدى الدولة لتطوير المنظومة التعليمية، وهو توجّه يترجم في نهاية المطاف الحرص الشديد على دعم وتطوير الموارد البشرية التي تعدّ الركيزة الأساسية لعملية التنمية، فضلاً عما يهدف إليه من رفد سوق العمل بالكفاءات المطلوبة، مع التوسع الحاصل في مجالات التنمية والحاجة إلى تخصصات جديدة. ومن المؤكد أن هذا القرار ستكون له انعكاساته الإيجابية المتعددة. فالمجلس الجديد الذي يستهدف تحقيق التكامل والتوازن بين مجالس التعليم المختلفة، سيضمن مخرجات تعليمية واحدة من جميع إمارات الدولة، وسيوفر المجلس الجديد آلية لكي يستفيد كل مجلس من المجالس التعليمية من التجارب الناجحة للمجالس الأخرى، وبشكل تتكامل فيه البرامج والخطط، بدلاً من أن يحصل بينها أي تضارب، ومن هنا فإنه سيحلّ إشكالية كانت تواجه التعليم من قبل، تتمثل بوجود العديد من الخطط والبرامج التي ربما تتقاطع في مجمل أهدافها، أضف إلى ذلك أن وجود "مجلس اتحادي للتعليم" سيوفر الكثير من الجهد والمال للمؤسسات التعليمية، لأنها ستتعامل تحت مظلّة واحدة، ووفقاً لسياسات منسّقة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.