أصدر "مكتب محاسبة الحكومة" الشهر الماضي تقريراً حول حالة 100 نظام دفاع أميركي رئيسي تقريباً، وهي حالة ليست على ما يرام في ما يبدو. فقد تجاوزت هذه الأنظمة ميزانياتها الأصلية، وهي متأخرة بعامين تقريباً، في المتوسط، عن برنامجها الزمني. كما كشف تقرير "مكتب محاسبة الحكومة" عن مشكلة ما فتئت تتفاقم في نظام مشتريات أميركا العسكرية: قلة المنافسة في صناعة الدفاع، وتراجعها يوماً بعد يوم. والواقع أن الأمر كان مختلفاً قبل عقدين من الزمن فقط. ففي عقد الثمانينيات، كانت 20 شركة رئيسية أو أكثر تتنافس على عقود الدفاع. أما اليوم، فتعتمد "البنتاجون" في المقام الأول على ست شركات رئيسية لصناعة الطائرات والصواريخ والسفن وأنظمة تسليح أخرى. إنه نظام تخلى كثيراً عن المنافسة حول الثمن والتسليم والأداء، واستعاض عنها بنوع من المنافسة التي كان يعمل بها "مكتب التصاميم" في الاتحاد السوفييتي السابق -وهي ليست وصفةً للنجاح بكل تأكيد. ولنتأمل حدثين وقعا مؤخراً: ففي فبراير المنصرم، أعلنت القوات الجوية الأميركية أنها ستمنح صفقة الطائرات- الصهاريج "كي. سي. 45 إي" لـ"نورثروب جرومان" والعملاق الأوروبي "إيدس"، اللذين كانا يتنافسان على الصفقة مع شركة "بوينج". غير أن هذا القرار أثار معارضة قوية، ليس من قبل "بوينج" فحسب، وإنما من شخصيات كثيرة أيضاً، ومن بينهم بعض أعضاء الكونجرس الذين انزعجوا من حقيقة أن الطائرةَ الجديدة المخصصة لتزويد المقاتلات بالوقود أثناء التحليق سيتم تصميمها وصنعها في أوروبا. ولابد أن الأشخاص الذين انزعجوا من هذا السيناريو، وما يؤشر إليه، مستاءون أكثر من إعلان "بوينج" و"لوكهيد مارتن" اعتزامهما "التعاون" في مشروع كبير آخر هو قاذفة القنابل المنتمية إلى الجيل الجديد. والحقيقة أن اتحاد عملاقيْ صناعة الدفاع يشكل فريقاً من المواهب والخبرات الهندسية والصناعية، ناهيك عن القوة السياسية. ويقول بعض المراقبين إنه يشكل الطريقة الأفضل -وربما الوحيدة- لهزيمة منافسهما الوحيد المتبقي، "نورثروب جرومان". ذلك أن قلة عدد المتنافسين تعني ازدياد احتمال الفوز، حتى وإن اضطرتا إلى اقتسام الأرباح. ثم إن هذه الأرباح يرجح أن تتحسن عندما لا تضطر الشركتان إلى القلق بخصوص تنافسيتهما من حيث السعر والتسليم. وبالطبع لا يمكن للمرء أن يلوم "لوكهيد مارتن" و"بوينج"، فلا واحدة منهما ترغب في أن تُستبعد من برنامجٍ يتوقع أن تصل تكلفة تطويره لوحدها 10 مليارات دولار، غير أن الشراكة بين اثنتين من صانعي الطائرات الثلاث في الولايات المتحدة يجعل من الصعب على القوات الجوية تنظيم منافسة فعالة وناجحة. علاوة على ذلك، تعكس هذه الخطوات واقعاً مؤسفاً: فالولايات المتحدة تقترب من "نظام ترسانة" لتطوير أسلحتها وصناعتها -أي نظام تصنع فيه الحكومةُ أسلحتَها الخاصة بنفسها. إنه نموذج قديم عفا عليه الزمن، ومزاياهُ محدودة، غير أنه بالنظر إلى الطريقة التي تسير بها الأمور، فإن حتى هذه المزايا -على رغم محدوديتها- قد تضيع. لقد كان تقلص عدد شركات صناعة الأسلحة الأميركية النتيجةَ الحتمية لخفض الإنفاق في مجال الدفاع بعد الحرب الباردة. فبعيد تنصيب بيل كلينتون بفترة قصيرة، استدعى وزيرُ الدفاع حينها ليس آسبِن، ونائب الوزير ويليام بيري، رؤساءَ الشركات الرئيسية في مجال الدفاع، وقالا لهم إن البنتاجون لن تحتاج مستقبلاً سوى إلى نصف شركاتهم، وربما أقل، وإنها لن تستطيع تحمل مصاريف الدفع للمصانع والعمال غير الضروريين. فأثار عشاء العمل هذا، والذي سمي لاحقاً "العشاء الأخير"، عمليات إدماجٍ غير مسبوقة للشركات، قامت خلالها شركاتُ دفاع مثل "لوكهيد" و"نورثروب" و"جنرال دايناميكس" و"ريثيون"و"بوينج" بشراء منافساتها. وعلى رغم أن عمليات الإدماج ساعدت شركات صناعة الأسلحة على الصمود في وجه خفض الإنفاق، إلا أنها تهدد اليوم بإضعاف هذا القطاع؛ وذلك لأن الكثيرين في الكونجرس والبنتاجون يريدون فرض إشرافٍ ومراقبة أكبر وأشد صرامة على تطوير وصناعة الأسلحة، والمطالبة في الوقت نفسه بقدر أكبر من المنافسة -وهو ما يدفع النظام نحو سوق "معولم" لم ينضج بعد ومازال قيد التطور. بيد أن فرض مزيد من القوانين والقيود البيروقراطية على الشركات ليس هو الحل. وبدلاً من ذلك، فإننا في حاجة إلى استراتيجية جريئة لوقف عمليات إدماج الشركات ونقاش جاد حول تداعيات العولمة على أمن الولايات المتحدة. بل إن حاجة الجيش اليوم إلى المنافسة بين مورديه وتنوعهم هي أكبر من فترة الحرب الباردة، وذلك لأن أميركا مطالَبة بالاستعداد لنوعين مختلفين تماماً من الحروب هما: الحرب التقليدية، والحرب الموجهة ضد حركات التمرد والإرهابيين، وهو ما يتطلب قاعدةً أكبر وأكثر تنوعاً من حيث المتعاقدين والموردين. ولعل قدوم إدارة جديدة يمثل فرصةً ذهبية لمناقشة سبل إعادة إنعاش وتنشيط قاعدة صناعات الدفاع الأميركية. ولكن السؤال هو: هل سيعترف زعماؤنا بهذه المشكلة ويجدون طرقاً دائمة لتخفيف تأثيرات عمليات إدماج الشركات على سوق الدفاع، أم أننا سنسمح للرئيس الجديد والكونجرس بأن يخبطا خبط عشواء عبر فرض المنافسة في سوق عالمي، وتمرير حلول هامشية في الكونجرس وتخفيف المراقبة؟ الواقع أن أميركا إذا لم تتحرك بسرعة، فإنها قد تجد أن الحلين الوحيدين المتاحين هما تأميم القاعدة الصناعية العسكرية الأميركية، أو أن تعهد بإنتاج أسلحتها لشركات أجنبية. دوف زكيم وكيل وزارة الدفاع الأميركية من 2001 إلى 2004 رونالد كاديش مدير "وكالة الدفاع الصاروخي" الأميركية من 2000 إلى 2005 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"