جوهر المشكلة التي تحدثت عنها في الأسبوع الماضي، ليست فقط في موضوع ظاهرة الكتب المدرسية المتكررة التي تسيء للإسلام والهوية الوطنية أو في المدرس الأجنبي والخبير الأجنبي واللغة الأجنبية، بل في إشكالية "التغريب" التي أخذت تنعكس في كثير من تفاصيل التعليم وفي هويته وخريطته المستقبلية، وذلك تحت شعار التطوير والإصلاح، بينما تعاني الهوية الوطنية من خطر كبير أوضحه المشاركون في ملتقى الهوية الوطنية الذي عقد في أبوظبي يومي 15 و16 من أبريل الجاري، وقدر تطرق الحديث فيه إلى التعليم حيث قال معالي أحمد حميد الطاير وزير التربية السابق: "أصبحنا نسمع عن شخص اسمه (بريمر) في وزارة التربية". التعليم يحتاج إلى وقفة حقيقية وعاجلة، وإلى رقابة مجتمعية واسعة بعيداً عن خطاب الازدواجية الذي نسمعه من التربية، وذلك حماية للوطن ولهويته ومستقبل الأجيال. إن الاتجاه "التغريبي" في التعليم يضر بالهوية الوطنية، وسيخرج لنا أجيالاً لديها القابلية القوية للضياع والانسلاخ من الهوية، أجيال لا تعرف الولاء والانتماء للوطن. التعليم أمن قومي، ومن يحمي الأمن القومي في النهاية هم هؤلاء التلاميذ، هذه العقول التي ستقود الوطن مستقبلاً. وحين نتحدث عن التعليم ومشكلاته، فنحن بذلك لا نعارض الإصلاح والتطوير، ولا ننكر أن ثمة جهوداً كبيرة تبذلها الدولة لدعم التعليم وتطويره، لكننا مضطرون لقول الحقيقة خوفاً على هذه الجهود من أن تذهب بعيداً عن الهدف الذي تسعى إليه القيادة العليا للبلاد، بعد أن أصبحت علاقة التربية بالمجتمع علاقة عدم اكتراث بما يطرح من أسئلة وملاحظات مشروعة حول مستقبل التعليم من مختلف فئات المجتمع ومؤسساته، وكأن هذا المجتمع ليس شريكاً أصيلاً في مسألة التعليم وإصلاحه، والتي يتفق كل خبراء التعليم على أنها بدون إشراكه ستكون مجرد قرارات نظرية تنتهي بفشل كبير. لا نريد أن يتحول أبناؤنا إلى فئران تجارب ليس لهم رأي فيما يدرسون. وبغض النظر عن المنطق التبريري وثقافة التهرب التي تكمن وراء خطاب "التربية"، فمن الواضح أن صناعة القرار التربوي في الوزارة أصبحت تصدر من شخص واحد ولهدف واحد. ويكفي مثالاً على ذلك ما قالته الدكتورة ابتسام الكتبي في منتدى الهوية الوطنية من "أنه حينما اتخذ وزير التربية والتعليم قراراً بإنشاء مدارس الغد، تحاورت معه في هذا الصدد، وقال إن هذه فكرته وإنها جاءت رداً على المدارس النموذجية". وهذا يعني أن مشروع مدارس الغد الذي تؤكد غالبية الشواهد أنه يتعثر بشدة منذ ولادته، وآخر ذلك ما حصل في امتحان الرياضيات والتي كانت "قمة التعذيب الفكري" حسب أحد الطلاب... لم يأت وفق دراسة علمية منهجية واضحة وهدف استراتيجي ومشاركة مجتمعية واسعة. لقد حدثت أزمات عديدة في مسيرة التعليم، لكن لم يحدث "تطفيش وظيفي" للكفاءات المواطنة كما يحدث الآن، والدليل على ذلك كثافة الاستقالات خلال السنتين الأخيرتين، مما يؤكد أن ثمة إشكالية كبيرة في التربية وجوا غير صحي دفع هذا العدد الكبير من الكفاءات المواطنة المتميزة إلى الاستقالة والهروب من "التربية". وبدل أن تتجه الوزارة إلى تشكيل فريق عمل لدراسة أسباب هذه الظاهرة الخطيرة والتعرف على إشكالاتها والسعي لإيجاد الحلول المناسبة لها، تقليلاً للنزيف البشري في التربية، على اعتبار أن الثروة البشرية الوطنية أغلى من ثروة البترول، نجد أن رد التربية المنشور في إحدى الصحف المحلية يوم 21/4/2008، هو "أن هذا الكم الكبير من الاستقالات يعتبر ظاهرة صحية". في سائر الوزارات تقريباً تم تثبيت المسؤولين المواطنين منذ صدور قرارات تعيينهم وترقيتهم، إلا في وزارة التربية حيث لا زالوا مسؤولين بالإنابة، ولا أعرف السر في ذلك؛ هل هو أن يظل الباب مفتوحاً للبديل الأجنبي في أي لحظة والذي تم تثبيته منذ التعاقد معه وإعطاؤه امتيازات تفوق المواطن! ما يجري في التعليم اليوم مشابه إلى حد بعيد لما يجري في موضوع التركيبة السكانية، هناك احتلال أجنبي للعقل التعليمي والتربوي هدفه الحقيقي ليس الإصلاح والتطوير وتقوية الهوية الوطنية، بل طمس كل مقومات المواطنة والهوية الوطنية وتشكيل خريطة جديدة للعقل الإماراتي.