لم أجد تفسيراً واحداً مقنعاً لحملة بعض الصحف والمنتديات السعودية على برنامج "شاعر المليون"، بل إنني أجد نفسي عاتباً على كتاب رأي افترض فيهم حرصهم على نشر الوعي بالأهداف الحقيقية لمثل هذا المشروع الثقافي وما يسعى إليه من أهداف تفوق فكرة الصراع الشعري الذي يحاول البعض حصر البرنامج داخله. منذ انتهاء النسخة الثانية لبرنامج "شاعر المليون" الأسبوع الماضي والتي فاز فيها بـ"البيرق" الشاعر القطري خليل التميمي، وأنا أتابع ما يكتبه بعض أصحاب المنتديات وأعمدة الرأي من الأخوة السعوديين تعليقاً على خسارة المتسابق السعودي ناصر الفراعنة، باعتباره كان المرشح الأرجح بالفوز. والذي صدمني فعلاً كما صدم غيري، هو إنشاء موقع إلكتروني لمقاطعة البرنامج الناجح خلال السنوات القادمة، وكأن البرنامج أصبح بمثابة منتج غير مرغوب، مثله في ذلك مثل المنتجات الدانماركية والإسرائيلية. دعوات المقاطعة وحملات العداء لهذا البرنامج، فيها، ومن دون أي مبالغة، الكثير من الغضب والذي أدى إلى تغيير كثير من الحقائق، حيث سعى البعض بكل الطرق إلى توظيف أي معلومة حول البرنامج والمشاركين فيه وحتى الحاضرين والزج بكل ذلك في تحليل لا يجد صداه سوى في عقول من يتحاملون عليه! فهل يعقل أن تطلق أبوظبي برنامجاً شعرياً رفيع المستوى وواضح التوجه والأهداف كي تسيء إلى دول شقيقة؟! إذا كنت لا ألوم تفاعل الرأي العام "الشعبي" السعودي مع دعوة من يطالبون بمقاطعة البرنامج، من أصحاب الفكر، باعتبار أن الرأي العام يتأثر في الغالب بما تبثه وسائل الإعلام في بلدها وبما يكتبه الغاضبون؛ فإنني ألوم بل أحاول أن أفتش في عقولنا وذهنياتنا التي تتوجس كثيراً وتميل إلى تبني التفسير التآمري في كثير من الأحيان والأحوال. الغريب، أن عيوب هذا البرنامج الذي استطاع أن يستقطب أبناء مجلس التعاون الخليجي حوله، ويجعلهم يتفاعلون معه بطريقة جعلت الآخرين يستنسخون الفكرة، لم تظهر إلا بعد أن خسر الشاعر السعودي الفوز بجائزته، رغم أن القائمين على البرنامج لا علاقة لهم بالنتيجة النهائية، بل أن للجمهور 50% في ترجيح كفة الفائز. لذا كان المدهش لي ولغيري، بعض التفسيرات للكتاب السعوديين حول علاقة هذا البرنامج بالسياسة، وهي تبريرات أجدها صعبة القبول أو الخوض فيها، على أساس أن المسابقة ثقافية خليجية تخاطب شيئاً تميز به أبناء هذه المنطقة عن غيرهم في العالم العربي، وقد نجح هذا البرنامج بشهادة السعوديين أنفسهم في لمِّ وحشد أبناء مجلس التعاون حول "الشعر النبطي"، بل واستطاع أن يجعل كل خليجي يتعلق بهذا البرنامج، فأوجد "هوية خليجية" فشلت السياسة في تحقيقها على مدى 27 عاماً... فماذا عسانا نجد في تلك الحملة التي لم يكن ينقصها سوى فتوى دينية تحرم المشاركة والتصويت وحتى مشاهدة برنامج شاعر المليون؟! لماذا يحارب برنامج شعري نجح في حشد نحو 70 مليون مشاهد في وقت وجيز؟ للأمانة، يجب أن نقول إن شاعر المليون استطاع أن يقطع شوطاً كبيراً على درب بلورة مفهوم المواطنة الخليجية، وتوحيد وجمع الخليجيين بشكل خاص والعرب بشكل عام حول برنامج شعري ثقافي ناجح . الغريب في الموضوع هو أن من يقود هذه الحملة هم أشخاص يفترض فيهم الوعي بحاجتنا نحن الخليجيين، كشعوب، لما يوحدنا ويجمعنا، وأن البرنامج لا علاقة له بالسياسة، والاهتمام الذي يلقاه من قمة الهرم السياسي في الإمارات إنما جاء انطلاقاً من الحاجة لإعطائه الزخم المناسب، تقديراً لأبناء هذه المنطقة، وذلك لأن مسؤولي الإمارات موجودون في كل ما يفرح الناس، وأظن أن هذا أمر يعرفه الأخوة السعوديون ممن حمّلوا الأمور أكثر مما تحتمل. تجربة "شاعر المليون" ناجحة ويجب تشجيعها بالنقد البناء لا مقاطعتها ومحاولة إفشالها، وذلك لأنها فكرة استطاعت أن توحد بين أبناء الخليج وعرفت العالم لأول مرة بالهوية الخليجية كما أنها لامست جانباً مهماً في نفوس أبناء المنطقة، وكانت فرصة للتلاقي على مستوى الشعوب بعيداً عن السياسة، بل وغطت فراغاً ثقافياً عانى منه أهل الخليج. sowafi@hotmail.com