بعد مرور ثمانية وثلاثين عاماً على بدء الاحتفال بيوم الأرض، يبدو أن المناسبة- التي يتم إحياؤها سنوياً في 22 أبريل- تمر اليوم بأزمة هوية شبيهة بتلك التي يعرفها الرجال في منتصف العمر. وبينما تشير التقديرات إلى أن حوالي مليار شخص عبر العالم احتفلوا بيوم الأرض عام 1970 باعتباره حدثاً فارقاً ومنعطفاً حاسماً في تاريخ الحركة البيئية، أصبح الاحتفال اليوم أكثر تنوعاً بين من يعتبر يوم الأرض فرصة للاحتفاء بجمال الطبيعة وعجائبها، وبين من يحتج على تدهور البيئة ويطالب بالتدخل لعلاج الاختلالات التي باتت تعرفها. لكن الاختلاف الأكبر والأهم هو التمدد الذي شهده "يوم الأرض" بحيث لم يعد قاصراً على يوم واحد في السنة، بل تحول إلى حدث متواصل يمتد طيلة العام. وهكذا نرى على سبيل المثال تقارير الأمم المتحدة الدورية حول البيئة وضرورة حمايتها من الأخطار والتهديدات الكثيرة المحدقة بها، والشريط الوثائقي لـ"آل جور" حول التداعيات المدمرة للاحتباس الحراري، فضلاً عن المحطة التلفزيونية الجديدة المتخصصة في البيئة التي ستبدأ البث في أميركا خلال شهر يونيو المقبل. وحتى هوليوود ستشارك هي الأخرى في الاحتفال بالبيئة من خلال فيلم "جيمس بوند" الأخير، الذي سيتصدى فيه البطل إلى أحد أعداء البيئة ويجهض محاولته للاستحواذ على مصادر المياه في أحد البلدان الصغيرة. فأين يقع يوم البيئة من كل ذلك؟ يبدو أنه موجود في كل مكان، ويحيط بنا من كل جانب، وهو ما يعبر عنه "فرانك مايسانو"، متخصص في الطاقة الصناعية بقوله "لقد تحول يوم الأرض إلى رمز يعكس رغبة الناس جميعاً في خدمة البيئة كل حسب أسلوبه واستطاعته". ومع أن الاحتفال بالأرض له يوم واحد محدد في 22 أبريل من كل سنة، إلا أن الأرض على ما يبدو لم تعد مكتفية بيوم واحد وأصبحنا نرى بدلاً من يوم الأرض، أسبوع الأرض، وشهر الأرض بعدما أضحى موضوع البيئة وما يرتبط به من قضايا صار حاضراً معنا على مدار السنة. وعن أزمة الهوية التي يمر بها يوم الأرض يقول "بول هوكين"، أحد المهتمين بقضايا البيئة، إن الأزمة تتجلى في ذلك المزيج من الاحتفاء بالأرض من جهة والتحسر على ما ضاع من جهة أخرى. وهو يشبه ذلك بتقاليد تشييع الجنازة لدى السود في ولاية "نيوأورليانز" الأميركية، بحيث يشيع الناس المتوفي إلى المقبرة في جو من الحزن والأسى تعبيراً عن الفقدان، بينما يرقصون ويغنون لدى عودتهم احتفاء باستمرار الحياة. ويرى "هوكين" أن الأمر ذاته ينطبق على يوم الأرض بحيث يحتفي المراقبون بهذا التزايد الكبير في عدد المنظمات المحلية والدولية المهتمة بالبيئة والمدافعة عنها، لكن هناك أيضاً تحسرا عاما على ما ضاع من غابات وعلى الأضرار الأخرى التي لحقت بالبيئة. وفيما يعتقد البعض أن يوم الأرض تحول إلى يوم عادي آخر بعد أن فقد بريقه الذي تمتع به في البداية، يرى البعض الآخر أن يوم الأرض استسلم للنزعة التجارية وتحول إلى سلعة يتم تسويقها عبر العالم. وربما لهذا السبب خصصت مجلة أميركية غلافها لموضوع البيئة وسألت "هل تحول يوم الأرض إلى عيد ميلاد آخر؟"، في إشارة إلى تحول الاحتفاء بميلاد المسيح إلى مناسبة تجارية. وفي هذا السياق يقول "بول سوتر"، أستاذ التاريخ بجامعة جورجيا والمهتم بتعقب الحركات المدافعة عن البيئة: "لقد تحول يوم الأرض إلى نوع من الاحتفال العلاجي، بحيث يتم شراء الأشياء لحماية البيئة والتعويض عن التلوث". لكن رغم الاهتمام الممتد على مدار السنة الذي تحظى به البيئة وفقدان يوم الأرض للكثير من بريقه نتيجة لذلك، إلا أنه مازال يحتفظ بأهميته بالنسبة للناس، لا سيما طلبة المدارس الذين يعتبرون اليوم فرصة لتعلم أشياء جديدة حول البيئة والتهديدات المحدقة بها. وتوضح هذا الأمر "كاثلين روجرز"، رئيسة "شبكة يوم الأرض" وهي منظمة غير حكومية تهتم بالبيئة، قائلة "إن تسليط الضوء على المشاكل البيئية والتركيز عليها في يوم واحد يبقي فضول الأطفال متوقداً طيلة أيام السنة". وتضيف "كاثلين" أن الاهتمام بالبيئة والاحتفال بيوم الأرض لم يعد مقتصراً على الولايات المتحدة والدول الغربية، بل امتد أيضاً إلى دول ملوثة مثل الصين، فقد ارتفع عدد الزوار الصينيين إلى موقع المنظمة إلى درجة توقف معها عن العمل بسبب تدفق الأسئلة والاستفسارات. لكن الأنشطة الأهم التي تحرص منظمات البيئة على تنظيمها هي التجمعات الكبرى في الأماكن العامة مثل التظاهرة التي ستُنظم في واشنطن وسبع مدن أميركية أخرى. وعلى هامش هذا التحرك، تنوي المنظمات المشاركة في يوم الأرض مخاطبة الكونجرس لمطالبته بمجموعة من الخطوات المهمة لحماية البيئة والتقليل من الأضرار التي تتكبدها مثل حظر استخدام الفحم لتوليد الكهرباء، ودعم الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، فضلاً عن سن قوانين وتشريعات تفرض على البنايات معايير أكثر ترشيداً لاستهلاك الطاقة. وتركز المنظمات البيئية ومن ضمنها "شبكة يوم الأرض" التي تترأسها "كاثلين روجرز" على الأنشطة المحلية المساعدة للبيئة. وفي هذا السياق تشير "روجرز" إلى أنها تلقت قبل أيام رسالة في بريدها الإلكتروني من سيدة فرنسية تملك صالوناً للتجميل في باريس تريد التبرع بـ20% من دخلها للمنظمة، لكن "روجرز" أخبرتها بأن أفضل ما يمكن القيام به هو جمع التبرعات لتغيير مصابيح الإنارة في أقرب مدرسة ثانوية واستبدالها بأخرى أقل استهلاكا للكهرباء. جريجوري لامب كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"