يحظى الإنسان بأولوية مطلقة في الدول المتقدّمة، ومن ثم، تبذل المؤسسات المعنية في هذه الدول كل الجهود الممكنة لرعاية مواطنيها من خلال توفير الخدمات كافة التي يحتاجون إليها. وهذا الأمر ليس بمستغرب، فالإنسان يجب أن يكون هدفَ أي عملية تنموية، فهو صانع هذه التنمية في الأصل، وكل مخرجات هذه العملية موجّهة لخدمته وتيسير سبل حياته. ويشمل مفهوم هذه الخدمات التي تقدّمها الدول المتقدّمة لمواطنيها تدعيم وصقل القدرات الخاصة بالأفراد، على النحو الذي يمكّنهم من القيام بدورهم المنشود، في عملية التنمية. وبطبيعة الحال، فإن هناك فئات مجتمعية في حاجة إلى رعاية أكبر من غيرها، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين. وفي دولة الإمارات، هناك اهتمام خاص بالإنسان، وتبذل الدولة جهوداً متواصلة لتوفير سبل الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين كافة، وهو ما يتبدّى من خلال الخدمات التي توفرها الدولة، على صعيد التعليم والصحّة وتوفير البنية الأساسية من شبكة طرق ممتازة ومواصلات وغيرهما. ولعلّ الاعتماد على نهج التنمية المستدامة يثبت بشكل قاطع حقيقة هذا الاهتمام، ذلك لأن هذا النهج يشكّل معياراً نستطيع من خلاله تحديد مدى التقارب بين سياسات التنمية والإنسان. وكما هو الحال، في الدول المتقدّمة تولي الإمارات أهمية كبيرة لرعاية هذه الفئات المجتمعية، وذلك من خلال إنشاء مؤسسات خاصة لرعايتهم أو دعم المنظمات المدنية التي تختص بتقديم هذه الرعاية، أو من خلال تنظيم برامج توعوية عبر هذه المؤسسات أو من خارجها لتقديم الدعم المطلوب لتلك الفئات. وهذه المؤسسات تقدّم خدماتها لمئات من الأشخاص المحتاجين إليها، ونشير في هذا الصدد إلى إحصائية حديثة تفيد بأن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة على اختلاف إعاقاتهم الملتحقين بمراكز الرعاية والتأهيل التابعة للمؤسسة للعام الدراسي الحالي والمنتشرة على مستوى إمارة أبوظبي على سبيل المثال يبلغ نحو 1317 معوّقاً ومعوّقة. وهذه الرعاية المقدّمة من قبل الدولة للفئات المجتمعية الضعيفة، ترتكز على قواعد واضحة ويجسّد أحد أبعادها القانون الاتحادي رقم (29) لسنة 2006 في شأن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد تعزّز هذا التوجّه الهادف إلى تقديم المزيد من الرعاية المجتمعية للفئات الضعيفة في ظل الأهداف الاستراتيجية للحكومة الاتحادية، التي ترجمت عملياً في أحد جوانبها المقصودة في هذا الصدد في شكل مبادرات تطوير برامج الأشخاص ذوي الإعاقة وصيانة حقوقهم. وخلال الفترة الحالية، تشهد الدولة جملة من الفعاليات المهمّة الخاصة في هذا المجال، منها مؤتمر أبوظبي العالمي للشيخوخة، الذي يفتتح غدا، وتنظمه مؤسسة التنمية الأسرية ووزارة الشؤون الاجتماعية. كما تحتفل الدولة حالياً بأسبوع الأصم رقم 33 تحت شعار (التعليم الأساسي والتلميذ الأصم) ويستمر حتى 27 إبريل الحالي. وفي الواقع، فإن هذا الاهتمام الخاص الذي توليه الإمارات للإنسان، هو أحد الثوابت الأصيلة في سياسة الدولة، ولعلّ ما تقوم به "منظمة الهلال الأحمر" من تقديم خدمات نشطة لإغاثة المنكوبين ومساعدة المحتاجين، في مناطق مختلفة من العالم، يدلّ على رسوخ التوجّهات الإنسانية للدولة، ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل وعلى الصعيد الخارجي أيضاً، وهو أمر يضاف بطبيعة الحال إلى رصيد الدولة المتنامي إقليمياً وعالمياً. وهذا الاهتمام يعكس بلا شكّ إيماناً حقيقياً بالفكر الخاص بحقوق الإنسان، وإذا كانت التوجّهات الإنسانية تمثّل معلماً أساسياً لسياسة الدولة داخلياً وخارجياً، فإن المزيد من العمل على هذا الصعيد يتطلّب إضافة إلى الجهود الرسمية، تفعيل الجهود الخاصة بالمؤسسات المدنية المنوط بها تقديم الخدمات المجتمعية للفئات الضعيفة. ـــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.