ما هي الهوية الوطنية؟ هي أن تنظر حولك فلا ترى أمراً يعنيك... هي أن تحاصرك لغات الدنيا، وتنسى كيف كلمتك جدتك وأنت صغير تبحث عن برد حديثها بعد عناء التعب واللعب على "سيفة" الخليج العربي حتى النخاع. أن ترى نفسك معتزاً بما عرفته عن برّك وبحرك ورمالك وسماواتك ونجوم صيفك اللامعة لك وحدك، أن تقرأ صمت والدك، وأن تسافر في عينيه دون أن تهاجر أو ترحل. إنها التاريخ الذي قال إن الإماراتي عربي حتى الموت... وما أقرب الموت. هويتك تعني أن تكون بلا رتوش وبلا خوف من مجهول غامض وبلا مهاجرين يتكاثرون كالحمى، يسرقون بهجتك ويتركون متاع عمرك مشاعاً للسلب والتشويه والضياع. أن تبقى أمك ببرقعها، وأختك بحمية دفء الأشقاء، وأن تكبر أسوار مدرستك لأنها علمتك وستعلم صغارك. مع حمد قلم ومع الوطن أنت. من يعرف ماذا تعني هوية في مهب الريح؟ الطرقات تدرك هذا أكثر منا. أخطبوط الإسمنت، وبريق الزجاج الكاذب، وقفرات الهواء الوهمية. كلها تُجمع على تعريف الهوية الوطنية. لا تصدق أبداً أنك بلا هوية. وأن القادم أشرس وأصعب، وأن الحرب إن خضتها ستكون الخاسر بلا محالة. لا تصدق أبداً بالهزيمة، واعترف إنْ أنت تنازلت عن أن تُعلِّم صغيرتك معنى وطن، ستنسى هي الأخرى ما هي مفردات هذا المعنى وعمقه وفهمه. لست مضطراً أبداً للتنازلات، ولا إلى التعايش مع ما تكره. ولا أن يشاركك غيرك في أرضك وإدراكك بمن تكون. حتى وإن كان الجمع غفيراً، والحصار صعباً والضغوط قادمة من أعلى، لا تتنازل، هناك هوية الزمان والمكان تبحث عمن يرسمها على راحة الكف لتبقى هي وخط الحياة صنوين. أبداً لا تصدق أن هناك من سيربي أطفالك سواك، وأن هناك لغة أخرى كذبوا بأنها لغة المستقبل. إنْ أنت تهاونت تهاوت بعدك أعمدة البقاء حراً. دون أن يدّعي البعض أن الآخرين طوق نجاة. هويتك.. تعني اسمك، تعني صوتك ونبض روحك، وصدق أحلامك وأحلام والديك. هويتك تعني أن تحافظ على كينونتك، وأنْ تُبقي على كل ما أحببت، وأن تقاوم وساوس الشيطان بأن البيع سهل وأكثر مالاً وضوءاَ ضالاً، لا تكن من الضالين... ولا من المساومين. وابق شبيهاً بنخل صحرائنا، عانق فرعها المتطاول للسماء! بالغ في إعلان رفضك بألا تكون أنت... وبالغ في الإبقاء على اسم جَدك ناصعاً دون شوائب الغرباء. وتيقن بأن هويتك ليست مشاعاً بخساً، أو معنى فارغاً من شكل المكان والجغرافيا، إنها قصيدة واحدة، ذات تفعيلة واحدة، تبدأ باسم جدك، وتتواصل معك، ومعي ومع يوم يأتي بالقلق كل لحظة، وتنتهي بالغد، الذي سيكون دون شك بذات الاسم والمعنى. ولن تفقد فحواها ولا معناها ولا حتى حروفها، ما دمت كتبتها بماء الروح، وعمّدتها بنار العشق لتراب وطن ليس أغلى منه إلا هو!