في نطاق أزمة الحصار الإسرائيلي على غزة، والذي ينتهك أبسط حقوق الإنسان في الحصول على احتياجاته الأساسية، ترددت خلال الآونة الأخيرة أنباء مفادها أن حركة "حماس" تخطط لإنهاء أزمة الحصار الإسرائيلي الجائر من خلال تكرار عملية اقتحام الحدود مع مصر. بلغت هذه الأنباء حداً من اليقين دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مناشدة "حماس" بأن تتوقف عن هذا المخطط تجاه مصر الشقيقة التي أعطت الكثير من أجل نصرة القضية الفلسطينية تاريخياً، وما زالت تقوم بأدوار بناءة لصالح الفلسطينيين، بدءاً من محاولة دفع المفاوضات ومروراً بمحاولة التوصل إلى تهدئة تسمح برفع الحصار وانتهاء بإقناع إسرائيل منذ عدة أيام باستئناف ضخ الوقود إلى محطة الكهرباء الرئيسية في غزة. لقد تساءل الرئيس عباس، هل تستحق مصر التي تفعل كل هذا من أجل الشعب الفلسطيني أن تعاقب باقتحام حدودها وتهديد أمنها؟ ومع وجاهة هذا السؤال وقوة الحجة الكامنة فيه، انبثق في ذهني سؤال عكسي تماماً عندما طالعت مجموعة تقارير عن مخطط حركة "حماس" وتصريحات مسؤوليها وخطبائها الدينيين. فلقد بينت هذه التقارير أن "حماس" منظمة ذات عزم جبار وذات قدرة تخطيطية ممتازة، وتملك طاقات عملياتية عسكرية مذهلة تعدها لاقتحام الحدود المصرية. السؤال الذي يطرح نفسه عند قراءة هذه التقارير يقول صراحة: بما أن "حماس" على هذا القدر من الكفاءة العسكرية، وبما أنها منظمة تصمم على حق المقاومة للاحتلال الظالم والتحرير الكامل لفلسطين التاريخية، فلماذا لا توجه كل هذه القدرات إلى فك الحصار الجائر عن طريق اقتحام الحدود الإسرائيلية مع غزة؟ لماذا لا تقوم "حماس" باستخدام حالة الحصار التي يستنكرها العالم ورفضها الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي منذ شهر، لشنّ هجوم كبير على قوات الاحتلال التي تحاصر القطاع تمهد له بموجات بشرية من النساء والأطفال الذين يعانون الحرمان، على أن تكون المرحلة الأولى موجات تظاهر سلمية ترفع شعارات دالة على المعاناة الإنسانية وعلى ضراوة الاحتلال تحاول عبور الحدود تحت سمع وبصر العالم وعدساته. لماذا لا ندفع هذه الموجات السلمية من النساء والأطفال الذين يحاولون اقتحام الحدود الإسرائيلية رافعين شعارات "نريد الحرية- نريد الحليب- نريد الطعام- نريد الدواء- نريد الكهرباء" إلى آخر ذلك من شعارات، لنضع العالم أمام ضميره وأمام مسؤوليته ونستثير ضمائر قوى السلام وعرب 1948 ليتحركوا بدورهم لملاقاة هذه الموجات عبر الحدود والتأثير على الرأي العام الإسرائيلي؟ ولماذا لا يكون هذا الاقتحام السلمي للحدود الإسرائيلية تحت العدسات والبث المباشر اختباراً لكسر عجرفة القوة الإسرائيلية وتحريك قوى الضمير العالمي؟ ولماذا لا يكون هذا الاختبار في حالة لجوء قوات الاحتلال إلى استخدام القوة ضد النساء والأطفال العزل وشعاراتهم السلمية، مبرراً واضحاً أمام العالم لاستخدام القوة العسكرية من جانب "حماس"؟ في هذه الحالة سيتأكد الرأي العام العالمي أن شعب غزة قد تصرف بملء ضبط النفس وبكل الأساليب الحضارية ليحصل على حقه في الحاجات الضرورية، وأن إسرائيل هي التي سدت الطريق أمام الاقتحام السلمي ولم تترك أمام شعب غزة سوى طريق الاقتحام العسكري. ترى ألن يكون هذا السيناريو أجدى للقضية ولسمعة المقاومة، وأدعى إلى تحرك دولي فعال لرفع هذا الحصار قبل وصول الرئيس الأميركي في زيارته القادمة؟ أرجو أن تقارن "حماس" بين مزايا سيناريو اقتحام الحدود المصرية والسيناريو المقترح هنا.