من الناحية التاريخية يصعب إنكار تعرض الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم إلى الإساءة، سواء أثناء حياته أو بعد مماته، لذلك لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 هي البداية الواقعية للحملة المستعرة على الإسلام والإساءة إلى رسوله الكريم، بل ربما تكون هي البداية لمرحلة جديدة يستغلها كثيرون من أصحاب الأجندات الخفية والمصالح "المريضة" للتطاول على هذا الدين الحنيف، فقد ازدادت وتيرة الهجوم الغربي على الإسلام في السنوات الثلاث الأخيرة، ولا توجد مؤشرات على انحسارها في القريب العاجل، فهل المطلوب دفع المسلمين جميعاً ليصبحوا متطرفين؟ لقد أصبح بعض الزعماء والساسة متصدرين لعملية الإساءة للإسلام بشكل غير مسبوق على الإطلاق، فبالإضافة إلى عبارة "الحرب الصليبية" التي جاءت على لسان الرئيس بوش الصغير عقب الأحداث الكارثية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 مباشرة، فإن سيلفيو بيرلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي السابق، ذا التوجهات اليمينية المتطرفة، قد تفوَّه بتصريحات معادية للإسلام هو الآخر، وكذلك موقف جون أشكروفت وزير العدل الأميركي السابق، وواكبت ذلك تصريحات من بعض رجال الدين الغربيين من أمثال جيري فالويل وجيري فاينز وبات روبرتسون، ولا ننسى خطبة بابا الفاتيكان المثيرة للجدل، وأزمة الحجاب داخل فرنسا، بالإضافة إلى العديد من الأعمال الفنية التي هاجمت الإسلام والمسلمين. وقد استمرت فصول هذه المؤامرة على الإسلام ورموزه في سياقاتها المختلفة، ففي شهر أكتوبر 2004، وفي مقاطعة فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأميركية، التقى المسيحي المتصهين وعراب أيديولوجية المحافظين الجدد في أميركا دانيال بايبس بفلامينجو روس، المحرر الثقافي في صحيفة "جيلاند بوستن" الدانمركية التي نشرت الرسوم المسيئة لرسول الله في سبتمبر 2005، واتفقا معاً على تأجيج الصراع الحضاري بين الإسلام والمسيحية. وقبل ذلك كله لا ننسى رواية الكاتب البريطاني سلمان رشدي "آيات شيطانية" التي اعتُبرت مسيئة للإسلام وللنبي محمد، والتي دفعت الإمام الخميني؛ مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى إصدار فتوى في 14 فبراير 1989 بهدر دمه، وكذلك حال الكاتبة البنجالية تسليمة نسرين التي اتهمت الإسلام بالإساءة إلى المرأة في كتابها "العار"، وجاهرت بإلحادها الديني وخروجها عن ملة الإسلام، ثم المخرج الهولندي ثيو فان جوخ الذي أخرج عشرين فيلماً على خلفية فيلمه القصير "رضوخ" الذي تطرق فيه إلى القرآن ووضع المرأة وعرض على إحدى شبكات التلفزيون العامة في أغسطس 2004، والفيلم الاستفزازي الذي وضعت السيناريو له النائبة الصومالية الأصل أيان هيرسي الذي يركز على التجاوزات بحق المرأة في الإسلام، وقد تلقى مخرجه تهديدات بالقتل ورُفعت دعاوى ضده، وكذلك الحكم على الكاتب الباكستاني شيخ في 11 أغسطس 2004 في كراتشي بالسجن مدى الحياة بسبب كتابه "شيطان مولوي" (رجل الدين الشيطاني) الذي اعتُبر مسيئاً للإسلام وقد كتب فيه أن الأئمة الأربعة الأوائل كانوا من اليهود، وأنكر بعض أحكام القرآن الصريحة! وبعد ثلاثة أعوام ونصف من فيلم فان جوخ، عاد نائب يميني بالبرلمان الهولندي، هو غيرت ويلدرز ليصدر فيلماً جديداً بعنوان "فتنة" يسيء فيه للإسلام، بعد أن شارك الإرهابيين والمتطرفين في اقتطاع آيات من القرآن من مكانها ليفسرها على هواه. وعلى مدى عام 2007 انصب تركيز ويلدرز على مهاجمة القرآن، وشبهه بكتاب "كفاحي" لأدولف هتلر، وحث الهولنديين المسلمين على التخلي عنه، واقترح حظره لأنه محرض على العنف، وذلك في أعقاب إعادة 17 صحيفة دنماركية نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بحجة التضامن مع أحد الصحفيين. إن كل هذه المواقف قد تنم عن جهل تام وسوء نية تجاه الإسلام والمسلمين، وتنطوي على حقائق عدة تؤكد أن البعض في الغرب لا يريدون التعايش مع الإسلام والمسلمين، وبالتالي يعمدون إلى تكرار الإساءة للإسلام كعقيدة ولرمز الإسلام الرسول المعصوم، بنشر مثل هذه الرسومات غير المقبولة لا شرعاً ولا حتى عرفاً، وكأن الأمر مؤامرة ضد عقيدة ما يَقرُبُ من ملياري شخص، اشترك فيها الجميع من نخب سياسية وفنية وإعلامية، وانضم إليهم عدد لا بأس به من الملحدين. لقد نجحت بعض التيارات الراديكالية في الغرب في إزالة الحدود بين الإسلام والإرهاب، وجرى اختزال ظاهرة التطرف والعنف في المسلمين وحدهم، وبات الأمر يأخذ منحى الصدام بين الغرب والإسلام. وإذا كان التأزم في العلاقات الغربية-الإسلامية حقيقة مؤكدة عبر التاريخ، وبغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء هذه الإساءات، سواء كانت فهماً مغلوطاً أو استهدافاً متعمداً، فإن مسألة الإساءة إلى الإسلام ورمزه الرئيسي أصبحت من الزخم والوضوح بحيث تشير إلى عدة حقائق مهمة، وهي أن الغرب إما أنه يريد دفع المسلمين ليصبحوا متطرفين، الأمر الذي يبرر عداءه لهم وحربه الشاملة على بعض الدول الإسلامية، ويتيح له التعامل مع المسلمين كإرهابيين، أو أنه يريد أن يشغل المسلمين عن قضاياهم الرئيسية وسعيهم إلى التقدم والتنمية الشاملة ومن ثم يغرقهم في صراعات داخلية عندما تتصدى الدول لشعوبها الثائرة لدينها، وهو ما حدث فعلاً في دول إسلامية كثيرة، أو يريد صناعة "إسلام جديد" وفق الرؤى الغربية يقبل طموحات وتوجهات القوى العظمى، ويعمل على تحقيق مصالحها، وقبل ذلك كله فإن الهدف الرئيسي للمؤامرة الراهنة للإساءة للإسلام هو تأجيج مشاعر العداء للشعوب الغربية ضد الإسلام والمسلمين، والذي سوف يقود حتماً إلى الصدام، فضلاً عن أن مهاجمة الإسلام وأصحابه باتت الطريق السهل لنجاح السياسيين الغربيين في الانتخابات. من الواضح أن المستفيد من كل ما يحدث هما إسرائيل وإيران، حيث أصبح العالم بأسره يرى أن إسرائيل ضحية للإرهاب الفلسطيني، وأن معظم المسلمين يريدون إلقاءها في البحر! أما إيران فتتمسك بفارسيتها وتتنصل من الإسلام بدعوى أن التطرف والإرهاب من سمات المسلمين السنة، حتى تستطيع تأليب الولايات المتحدة الأميركية على السنة في العراق من جانب، والحصول على أكبر قدر من المكاسب من جانب آخر. ولكن تزداد خطورة الوضع عندما يكون هناك دور لبعض أصحاب هذا الدين، مهما كان عددهم قليلاً، في إبراز التطرف والعنف والهمجية في تصرفاتهم، ولم يقابل ذلك دور لباقي المسلمين للتأكيد على سماحة الدين وتنصله من أي فعل إرهابي، وحثه على تكريم البشر. لقد بات المسلمون اليوم بين مطرقة الإساءة للإسلام وسندان التطرف والإرهاب، وهو وضع يفرض عليهم ضرورة فهم الأسباب والدوافع والادعاءات الكامنة وراء ما يحدث، حتى يمكنهم التصرف بحكمة وعقلانية. وإذا كان التطاول على الأديان يجري تحت زعم حرية التعبير، فإن الديانات السماوية جاءت لتهذيب نفس الإنسان وضمان توافقه مع نفسه ومجتمعه، وإيجاد سلام نفسي وتسامح للفرد قبل أن يفعل ذلك مع الآخرين، لذلك فإن حرية التعبير الحقيقية هنا يجب أن تصدر عن نفس سوية تواقة للخير لذاتها وللآخرين، لهذا فإن التذرع بحرية التعبير للإساءة لأي دين يعني ضمنياً وجود النفس الفاسدة والحاقدة، وهو أمر لا تقرُّه حرية ولا يمثل تعبيراً، خاصة أن حرية الفرد تتوقف عند حدود حرية الآخرين، والتعبير يجب ألا يتجاوز حدود الأدب والمصلحة العامة، لأنه إذا تجاوزهما فإنه يحض على الدمار. من المؤكد أن الدعوة إلى حوار الأديان وحوار الحضارات لا تتحقق من دون التحرر من كل الرؤى والأنماط التي تختزل الأديان في صور مشوهة ومسيئة لرموزها، والتخلي عن أوهام السيطرة وبث الفرقة ودعم الأفكار الهدامة والحث على العداء، ومن دون ذلك كله سيتم تكريس التطرف والغلو والعنف والإرهاب. يجب أن يتحمل الغرب مسؤولية ما يفعله ويدرك تماماً أن الاستمرار في هذه المؤامرة سيقود حتماً إلى بناء أجيال من المتطرفين.