تبدأ يوم الثلاثاء 23 من الشهر الحالي في الكويت، فعاليات المؤتمر الدولي الموسع لدول جوار العراق، ويشارك فيه كبار المسؤولين في الدول المجاورة للعراق والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الصناعية الثماني الكبرى. دول الخليج العربية تجد نفسها اليوم أمام معطيات معقدة واختيارات صعبة، فعليها أن تتعايش مع عراق غير مستقر وتتأقلم مع علاقات متأزمة بين واشنطن وطهران، ومطلوب منها التوصل إلى صيغة أمنية خليجية في المنظور القريب، وأن تعالج أي تداعيات سياسية أو أمنية محتملة في حالة بدء شرارة الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية إيران الإسلامية. بعد مرور خمس سنوات على تحرير العراق، يجد الأميركيون أنفسهم وجهاً لوجه أمام تزايد النفوذ الإيراني في العراق، حيث أصبح هذا البلد بيئة تفاعلات مشتركة بين الجانبين. ويبدو أن المشروع الأميركي في العراق يواجه صعوبات كثيرة قد تؤدي إلى فشله، لذلك تحاول واشنطن تعزيز علاقاتها مع دول الخليج والضغط على قادتها للانفتاح على الحكومة العراقية، وفتح سفارات خليجية في العراق أملاً في وضع حد لتزايد النفوذ الإيراني في العراق. قادة دول الخليج يحرصون في تصريحاتهم، على تأكيد وحدة التراب العراقي وحماية الإرادة الوطنية العراقية من الهيمنة والاختراقات الأجنبية، لكن دول الخليج رغم تصريحات قادتها الداعية إلى الاستقرار في العراق لم تبلور حتى الآن استراتيجية واضحة المعالم لكيفية التعامل مع الوضع الجديد في العراق. الإشكالية الصعبة التي تواجه دول الخليج اليوم؛ هي كيف يمكن التوفيق بين مصالحها الاستراتيجية والأمنية ومصالحها مع الولايات المتحدة، وبين علاقاتها التاريخية الطويلة مع جارتها العظمى على ضفة الخليج الثانية جمهورية إيران الإسلامية؟ قادة الخليج يعون تماماً أن الولايات المتحدة الأميركية اليوم هي الفاعل الدولي الرئيسي في منطقة الخليج، ومن المتوقع أن تستمر هيمنتها على المنطقة حتى لو تغيرت الإدارة الحالية في واشنطن، لأن لديها مصالح استراتيجية في المنطقة يأتي في مقدمتها النفط، وتتطلع واشنطن إلى استمرار هيمنتها في الخليج كأحد المرتكزات الرئيسية لدعم سياستها التوسعية الإمبريالية خاصة فيما يتعلق بإدارة علاقاتها مع قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي واليابان. قادة الخليج يعرفون أنهم لا يستطيعون اتخاذ موقف معادٍ لجارتهم الكبيرة إيران، خصوصاً أن نفوذها وقوتها ازدادا بعد الاحتلال الأميركي للعراق؛ فإيران اليوم تهيمن هيمنة تامة على الميليشيات والأحزاب الشيعية في العراق، كما أن نفوذها امتد ليشمل قطاع غزة في فلسطين و"حزب الله" في لبنان، كما ترتبط إيران بعلاقات قوية مع روسيا. جمهورية إيران الإسلامية ترفض التواجد الأميركي في المنطقة، كما أنها تعارض مفاوضات السلام وتدعم المقاومة العسكرية في غزة و"حماس" وتدعم "حزب الله" في لبنان. كيف يمكن لدول الخليج العيش مع صراع العملاقين في المنطقة؟ دول الخليج يمكنها فتح حوار مع الأحزاب والقوى السياسية في العراق لمعرفة مطالبهم، وكيف يمكن مساعدتهم في ضمان أمن واستقرار بلدهم. ما يريده الخليجيون هو مساعدة العراقيين في توحيد صفوفهم ومساعدتهم في إعادة إعمار بلدهم واستقرار الأمور فيه، وهذا يتطلب توحيد رؤية قادة العراق لمستقبل بلدهم بعد أن يتحقق الاستقرار فيه. يمكن للولايات المتحدة الانسحاب تدريجياً منه. أما فيما يخص إيران، فإنها حريصة جداً على انسحاب القوات الأميركية من العراق، وفتح حوار هادئ مع المجتمع الدولي للتعاون في مجال إعمار العراق واستقراره.