لماذا تختلف الحرب العراقية عن كافة الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة من قبل؟ الإجابة أن العدو الذي قاتله جنودنا ظل واحداً من بداية الحرب إلى نهايتها في جميع الحروب السابقة. فقد حاربنا البريطانيين خلال الثورة وفي حرب عام 1812، وكذلك حاربنا المكسيك وهكذا. ولم يصدف لنا أن اضطررنا إلى مواجهة عدو ثان في أي حرب من الحروب السابقة إلا بعد بداية الحرب الكورية، حيث تحتم علينا خوض القتال ضد الصينيين. وحتى في هذه الحرب، وفيما لو لم يدفع الجنرال "دوجلاس مكارثي" بعيداً بجنوده نحو الحدود الصينية، لكنا قد اكتفينا بخوض الحرب في كوريا الشمالية وحدها. وفي عدد من الحروب السابقة، تلقى أعداؤنا دعماً من أمم ودول أخرى، مثل الدعم الذي تلقته فيتنام من الاتحاد السوفييتي السابق، ولكن دون أن يتغير العدو الذي واجهناه أولاً. غير أن الحرب العراقية تختلف عن هذا التاريخ، بدليل أننا نواجه الآن عدونا الثالث فيها. ففي البداية كان علينا أن نقاتل ضد نظام صدام حسين. وعقب سقوط ذلك النظام، خضنا الجولة الثانية من القتال ضد ميليشيات العناصر الموالية له، والتي لجأت إلى تكتيكات حرب العصابات ضد قواتنا. وفي هذه المرحلة الثانية نفسها من الحرب، أصبحنا في مواجهة عدو آخر لم يكن في الحسبان أصلاً لحظة شن الغزو، ألا وهو تنظيم "القاعدة" في بلاد الرافدين. وتشير معلوماتنا العسكرية إلى أن هذا التنظيم لا يتحمل سوى وزر ضئيل نسبياً من إجمالي العنف الذي شهده العراق، إلا أنه يمثل الجماعة المسلحة الأكثر عداءً لنا وللمدنيين العراقيين. وفي حربنا ضد هذه المجموعة، حصلنا مؤخراً على دعم كبير من المقاتلين السُّنة الذين كانوا من ألد أعدائنا في المرحلة الأولى من الحرب. وعلى إثر هذا التحول الذي حدث لمجموعة المقاتلين السُّنة، أعدنا تصنيفهم على أنهم أصدقاء ومضينا في تسليحهم، على رغم بقائهم على معارضتهم للحكومة العراقية التي تغلب عليها العناصر الشيعية، رغم تحالفنا معها. أما اليوم ووفقاً لآخر الشهادات التي قدمها كل من الجنرال ديفيد بترايوس والسفير رايان كروكر أمام الكونجرس الأسبوع الماضي، فقد أصبحت الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران، عدونا الرئيسي هناك. أما تنظيم "القاعدة"، فانحصر نشاطه تقريباً في المنطقة المحيطة بالموصل. ومما أفاد به الجنرال والسفير أمام الكونجرس، أن معظم الهجمات التي تستهدف قواتنا وقوات الحكومة العراقية، مصدرها الميليشيات الشيعية الموالية لمقتدى الصدر، الذي أمضى عدة أشهر في الفترة الماضية في طهران. ولا تكتفي هذه الأخيرة بهذا الدور وحده، إنما تفرض نفوذها وسيطرتها على حكومة نوري المالكي أيضاً. وهنا يكمن تفسير دخول إيران طرفاً رئيسياً في التفاوض حول وقف إطلاق النار بين حكومة المالكي وميليشيات مقتدى الصدر، إثر تصاعد المواجهات بين الجانبين في محافظة البصرة مؤخراً. أما الدعم السياسي الذي تحظى به حكومة نوري المالكي، فمصدره الفصائل الشيعية المناهضة لمقتدى الصدر، وخاصة عائلة الحكيم والمجلس الإسلامي الأعلى المرتبط بها، مع العلم أن مقر قيادة هذا المجلس ظل في إيران خلال الجزء الأعظم من عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ليس ذلك فحسب، بل إن رجال الدين الإيرانيين هم مؤسسوه الحقيقيون. ورسوخ هذه العلاقة القوية بين طهران وحكومة نوري المالكي هو الذي يفسر مظاهر الاحتفاء الكبير التي أحاطت بزيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بغداد في الشهر الماضي، بينما كان لا يزال الرئيس بوش يتسلل من وإلى بغداد أثناء زيارته لها. بل إن هذا الميل الإيراني الغالب على حكومة نوري المالكي -وعلى أي حكومة شيعية كانت- يعد السبب الرئيسي وراء عدم إقدام أي من الدول السُّنية المجاورة للعراق، سواء كانت المملكة العربية السعودية أم مصر وغيرهما، على إقامة أي علاقات دبلوماسية مع بغداد حتى الآن. وتتركز سياستنا العراقية المتبعة حالياً، في حماية المجموعات الشيعية الموالية لحكومة المالكي ضد الميليشيات الشيعية التابعة لمقتدى الصدر أو لأي تيار شيعي آخر معاد لحكومة المالكي، على رغم الميول الإيرانية لهذه المجموعات التي نحميها. لكن وإذا كنا في الوقت الراهن نكرس جهودنا كلها ضد عدونا الثالث هناك، فإن هذا لا يعني بأية حال، أن عدونا الثاني -المتمردين السُّنة- قد ألقى سلاح التمرد على حكومة المالكي، بل علينا أن نذكر أننا من أمدَّه بالسلاح لمحاربة مقاتلي تنظيم "القاعدة". إذن نخلص إلى أن الاختلاف الجوهري بين حربنا الحالية على العراق، وكافة الحروب التي خضناها من قبل، يكمن في أننا نحارب الآن في دولة يقتتل أهلها مع بعضهم البعض، ويحملون السلاح في وجوهنا بسبب مؤازرتنا لحكومة لا يبدون رغبة ولا استعداداً للتصالح معها. وفي الحقيقة فهي حكومة ربما تشكل بحد ذاتها مهدداً استراتيجياً لمصالحنا الحيوية في العراق. وفي ظل واقع معقد كهذا، فإننا نؤلب علينا المزيد من الأعداء كل يوم نتيجة استمرار بقائنا العسكري فيه. وإذا كان وقف اتساع دائرة النفوذ الشيعي في المنطقة هو هاجسنا الأساسي اليوم في العراق، فإن ذلك يعني أن علينا الإتيان بحكومة سُنية، وهذا هو المستحيل عينه في دولة تغلب عليها الطائفة الشيعية. إذن الحل الوحيد لهذه المعضلة هو أن نأتي بصدام آخر، شريطة أن يكون أقل عدوانية من سابقه. ولكن يا لسخرية أقدار مغامرتنا الطائشة من أجل نشر الديمقراطية في ذلك البلد إن فعلنا! ــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"