في فبراير الماضي، وجدتُ نفسي في موقف صعب حين تعين عليَّ تفسير وشرح أسباب قلق الأميركيين ودواعي شعورهم بانعدام الأمان، وذلك أمام مجموعة من الطلبة في جامعةٍ بمدينة ماتاموروس المكسيكية الواقعة إلى الجنوب من الجدار المشيد في برونزفيل بولاية تكساس. وقد كنتُ بصدد الإجابة على أسئلة الحضور بعد أن فرغت من إلقاء محاضرة حول آفاق المهاجرين المكسيكيين الذين يقبَلون في المجتمع الأميركي، حين وقف شاب أنيق ليطرح سؤاله، وقال بلغة إسبانية مهذبة: "كيف يمكن لبلد قوي وغني مثل الولايات المتحدة أن يكون أنانياً إلى درجة بناء جدار على حدوده لمنع الناس من الدخول إليه؟". في لحظة من اللحظات، فكرتُ في أن أجيبه إجابة بسيطة بأن مجموعة من الناخبين يريدون منع دخول عابري الحدود إلى بلدهم مهما كان الثمن؛ وهم يتحركون وينشطون تحت الشعار السهل المتمثل في فرض القانون والأمن الداخلي. غير أن سؤاله كان أعمق من ذلك، ولم تكن مناورة كلامية من هذا النوع كافية لامتصاص صدمته. بدايةً، تحدثت عن الدورة التاريخية لاحتضان الولايات المتحدة للعالم الخارجي ثم رفضها له، وكيف يمكن أن نكون كرماء وأنانيين في الآن نفسه أحياناً كثيرة تجاه الوافدين الجدد. كما تحدثت عن أنواع العنصرية وكراهية الأجانب في المجتمع الأميركي، وأشرت إلى التصدع الديموغرافي العرقي الكبير في الولايات المتحدة، وسألته عما إذا كان يعتقد أن المكسيكيين سيكونون أقل "أنانية" في حال وجدوا أنفسهم في وضع مماثل. ثم انتقلت إلى الجزء الحرج من مهمتي الخطابية الصعبة تلك: أن أفسر لماذا يشعر مواطنو أغنى وأقوى دولة على وجه البسيطة بأنهم يحملون عبئاً ثقيلاً. وفي هذا المقام لابد من الإشارة إلى ما وقع الأسبوع الماضي، حيث أعلنت وزارة الأمن الداخلي في إدارة بوش أنها ستستعمل سلطتها لتجاهل والالتفاف على أكثر من 30 قانوناً من أجل إكمال بناء 670 ميلاً من السياج على طول حدودنا الجنوبية بنهاية العام الحالي. غير أنه في حال تم كل شيء وفق ما هو مخطط له، فإنني لن أكون الأميركي الوحيد الذي سيضطر لشرح ما يوجهه هذا الجدار الحدودي الجديد من سهام وتهم إلينا كشعب وكبلد. ذلك أنه إذا كان بمقدور الأميركيين على مدى السنوات المئة والعشرين الماضية الإشارة إلى تمثال الحرية باعتباره رمزاً لفخرنا الجماعي بأصولنا المهاجرة، فالأرجح أن الأجيال المقبلة ستشير إلى الجدار المقام على حدودنا الجنوبية كرمز مختلف عن ذلك تماماً. ويحلو لمؤيدي الجدار الحدودي أن يصفوا الولايات المتحدة باعتبارها ضحية للمهاجرين غير القانونيين، ويتصرفوا كما لو أن هؤلاء الأشخاص جاءوا من مكان أقل شأناً، وكما لو أنهم هم أنفسهم ليسوا جزءاً من نسق مماثل أُسس له منذ وقت طويل. فليس ثمة اعتراف -إلا فيما ندر- بأن مسؤولية الولايات المتحدة عن خلق التدفق في اتجاه الشمال لا تقل عن مسؤولية جارنا الجنوبي المتسم بسوء الإدارة منذ الأبد. وننسى مثلاً أننا استعنا في أوائل القرن التاسع عشر بالمكسيكيين لبناء السكة الحديدية في جنوب غرب البلاد، وأنه في 1917، حين أغلق الكونجرس الباب أمام الهجرة الأوروبية، وضع مخططات في هدوء ليسد المكسيكيون احتياجاتنا من الأيدي العاملة، وأننا استقدمنا في الحرب العالمية الثانية مئات الآلاف من "العمال الضيوف" المكسيكيين الذين سعوا إلى التعود على الحياة في الولايات المتحدة، واقتسموا تجاربهم مع امتداداتهم العائلية وأصدقائهم في وطنهم. صحيح أن ثمة فرقاً بين الهجرة القانونية، وغير القانونية، إلا أن ما يحدث هو أن الواحدة تجرُّ الأخرى أحياناً. فعندما بدأ الكونجرس في خفض عدد التأشيرات القانونية الممنوحة للمكسيكيين من عدد غير محدود في منتصف الستينيات إلى 20000 سنوياً في 1976 (بدون احتساب لم الشمل العائلي)، لم يفلح في وقف التدفق نحو الشمال الذي ساهم في خلقه، بل إنه عمل أيضاً على خلق الهجرة غير القانونية. لقد بدا أن الطالب الذي سألني في ماتاموروس، وغيره من الحضور، مقتنع بأنه ليس لدى الولايات المتحدة أي واجب معنوي لتقديم فرص اقتصادية للشعب المكسيكي. ولكنه بدا في المقابل حائراً فعلاً بخصوص الكيفية التي يمكن بها لدولة حريصة جداً على النظر إلى نفسها باعتبارها بؤرة إشعاع بالنسبة للعالم، أن تكون محبوبة ومكروهة في آن واحد لتعجرفها واختيالها، وأن تتقوقع على نفسها وراء هذا الجدار خوفاً من الهجرة التي ساهمت هي أصلاً في خلقها. قلتُ: "إن الأميركي العادي لا يشعر بأنه قوي بالشكل الذي توحي به الصورة الوطنية. والواقع أن كلاً من نظامنا الاقتصادي وأصولنا المتنوعة والمختلفة يشجعان، من نواحٍ كثيرة، على وجود شعور قوي بانعدام الأمان الاجتماعي. وإذا كان الأميركيون، كأفراد وأعضاء في مجموعات، يناورون دائماً من أجل المكانة والشرعية، فإنه من غير المرجَّح أن يشعروا بالأمان مثلما قد تتخيل". ولكن بعد مرور حوالي شهرين، ها أنا أدرك أنني لم أجب على سؤال ذلك الطالب جواباً شافياً. وعليه، فإليكم الجواب الآن: فعلى رغم أن ثمة دائماً جانباً آخر للثقة والتبجح الأميركيين، إلا أننا ببناء الجدار -الذي صوَّت لبنائه المرشحون الرئاسيون الثلاثة- نكون -نحن الأميركيين- قد اخترنا إظهار شعورنا بانعدام الأمان وترسيخه. وسواء كنتَ تتفق مع قرار بناء هذا الجدار أم لا، فإن عليك أن تقر بأن مثل هذا التصرف الدفاعي تصرف غريب بالنسبة لدولة تفتخر كثيراً بقوتها العالمية وسخائها. جريجوري رودريجيز كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"