شهدت منطقة الخليج في السنوات الأخيرة، تطورات إقليمية ودولية كبرى، أهمها التداعيات المباشرة للحرب على الإرهاب، والغزو الأنغلو أميركي للعراق، وتصاعد أزمة البرنامج النووي الإيراني... مما أسهم في تهديد الاستقرار الإقليمي وتقويض الجهود الرامية إلى إيجاد نظام أمني إقليمي خليجي، كما برزت بعض المخاوف حول الأمن الوطني لدول المنطقة. وفي كتاب "النظام الأمني في منطقة الخليج؛ التحديات الداخلية والخارجية"، ويضم أوراق عمل المؤتمر الثاني عشر لـ"مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، والذي كان قد نظمه في مارس 2007 تحت نفس العنوان... نطالع معالجات تحليلية في 570 صفحة، تتناول التهديدات والفرص الأمنية لدول الخليج العربية، لاسيما الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة، والاضطراب الإقليمي المنبثق من إيران والعراق، والحاجة إلى إقامة نظام دفاعي مشترك، والتحديات الداخلية التي تواجهها دول الخليج؛ كالإرهاب والجريمة المنظمة وخلل التركيبة السكانية، إضافة الى التحديات الناجمة عن عملية الانفتاح والعولمة. وفي المحور الأول من الكاتب (العراق وإيران وأمن الخليج)، تناول "انتوني كوردزمان" التهديدات الإيرانية لأمن المنطقة والعالم، قائلاً إن إيران تمثل خمسة أنواع رئيسية من الأخطار؛ وهي كونها قوة عسكرية تقليدية، وكونها مصدراً لخطر غير متماثل، ولقدرتها على استخدام "الوكلاء" و"الشركاء"، وحيازتها قدرة نووية ومنظومة صاروخية بعيدة المدى، وكونها تمثل تهديداً أيديولوجياً. أما "محمود سريع القلم" فيشير إلى أن القوة والاعتراف هما حجر الزاوية لسلوك إيران الخارجي، إذ يعتقد الإيرانيون أنهم يستحقون الاعتراف بهم كقوة إقليمية في الشرق الأوسط. وفيما يتعلق بالعراق، يرى الدكتور "عبدالله الشايجي" أنه يشكل خطراً جديداً على دول مجلس التعاون؛ سواء لكونه دولة فاشلة أو آيلة للفشل، أو بسبب ما يعرفه من فرز طائفي، أو لكونه بيئة حضانة لعناصر الإرهاب والتطرف. ويعتقد "جارث ستانسفيلد" أن أسس نظام الأمن الإقليمي الخليجي قد تقوضت بالغزو الأميركي للعراق، حيث زادت مخاوف الدول العربية الخليجية إزاء إيران. وفي المحور الثاني من الكتاب، ويعالج البعد الدولي لأمن الخليج، ينتقد "ديفيد ماك" اعتماد الولايات المتحدة المفرط على القوة العسكرية وإهمالها عناصر القوة الناعمة. أما الدكتور "يوهانس رايزنر" فيناقش المنظور الأوروبي لأمن الخليج، ويوضح أنه بينما يتزايد اعتماد أوروبا على نفط الخليج، يتناقص دورها في المجال السياسي والأمني بالمنطقة. ورغم الصلات المتنامية بين الجانبين، فإن الأوروبيين لم يطوروا مفهوماً متماسكاً لأمن الخليج! ويتناول "جون بيترسون" طبيعة الوجود العسكري الأجنبي في منطقة الخليج، ودوره في الأمن الإقليمي، مبيناً أن ذلك الوجود سلاح ذو حدين؛ إذ قد يسفر عن فوائد للطرفين معاً، كما قد يهدد بخلق مسؤوليات واستحقاقات غير مواتية. وفي محور خاص حول الأمن الاقتصادي الخليجي، استعرض "فريدريك سيكري" المخاطر في بيئة الخليج من منظور القطاع الخاص، والتي يصنفها إلى مخاطر تتصل برأس المال البشري، وبالبنية التحتية المنهكة، وبالحاجة إلى رأس المال النامي، وبالضغوط التضخمية، وببنية الملْكية، وبحوكمة الشركات. أما الدكتور "جاسم حسين علي" فيركز على أهمية التنوع الاقتصادي لتنويع مصادر الدخل في دول مجلس التعاون، ويدعو إلى تحقيق ذلك بتوظيف الفوائض النفطية الحالية. ويتطرق الدكتور "حمد بن سليمان البازعي" إلى آثار اتفاقيات التجارة الحرة على الأمن الاقتصادي الخليجي، موضحاً أنه لتعظيم الاستفادة من هذه الاتفاقيات، يتعين على دول المجلس أن تتبنى قواعد منشأ غير متشددة، وألا تتضمن هذه الاتفاقيات أية التزامات غير اقتصادية، وأن تأخذ في حسبانها النظرة المستقبلية والتوجهات التنموية في دول المجلس. وفي السياق نفسه، يرى "سوبارامان نارايان" أن علاقات آسيا بمنطقة الخليج، تتسع باطراد، وأن فرص الدول الخليجية لاستثمار فوائضها النفطية في الصين والهند، تفوق فرصها في البلدان المتقدمة. وفي المحور الرابع (الإرهاب والجريمة المنظمة في الخليج)، يؤكد "فؤاد علام" أهمية تضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمكافحة الإرهاب، والقضاء على أسبابه. ويتطرق الدكتور "علي بن فايز الجحني" لمعوقات التعاون الدولي في مواجهة الإرهاب؛ مثل مشكلة التعريف، ومشكلة تنازع القوانين، والاستخدام السياسي للظاهرة، والخلاف حول أسبابها وسبل معالجتها... ويذكر الدكتور "علي بن عبدالعزيز الدعيج" العوامل المساعدة على انتشار الجريمة المنظمة في منطقة الخليج؛ ومنها الموقع الجغرافي المتميز، وانفتاح المنطقة على العالم الخارجي، والقصور التشريعي والثغرات القانونية، وارتفاع نسبة العمالة الوافدة، وضعف الخبرة الأمنية. وفي المحور الأخير من الكتاب، وهو التحدي الديموغرافي، يعالج "محمد إبراهيم ديتو" علاقة العمالة الوافدة بالوضع الأمني في دول الخليج، موضحاً أن وضع الجريمة في هذه الدول أكثر تعقيداً من أن ينسب إلى جنسية محددة. كما حاول الدكتور "شفيق الغبرا"، تقديم مقاربة جديدة لموضوع العمالة الوافدة، منطلقاً من حقيقة أن الحاجة إلى الطاقات الوافدة لن تنتفي في المدى المتوسط، وأن النموذج الخليجي في التعامل مع مسألة العمالة الوافدة ينطوي على الكثير من الإشكالات، ما يدعو إلى ابتداع حلول غير نمطية لهذه المشكلة. أما الدكتورة "ميثاء سالم الشامسي"، فتشير إلى أنه رغم الحيز الذي احتلته قضية العمالة الوافدة في سياسات دول "التعاون"، فإنها لم تتمكن حتى الآن من معالجة خلل البنية السكانية. وتقترح الشامسي، لمواجهة ذلك التحدي، وضع استراتيجية تنموية تركز على النهوض بالنظام التعليمي ورفع مستوى الإنتاجية وتنمية قوى العمل الخليجية. محمد ولد المنى الكتاب: النظام الأمني في منطقة الخليج العربي المؤلفون: مجموعة باحثين الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2008