دول مجلس التعاون العربية تجمع النقيضين: الأموال والبطالة! فالأموال تتكدس دون أن تجد لها مسارب تنموية, والبطالة بين الشباب الخليجي آخذة في التزايد. وللأسف أن دول المجلس عاجزة إلى اليوم عن حل هاتين المشكلتين. وفي مناخ اقتصادي متخم بالمال, وعجز عن تلبية اقتصاد السوق من ناحية الموارد البشرية من المواطنين, أصبح هذا الاقتصاد يحمل الكثير من العجائب. ومن هذه العجائب ما نقرؤه في إعلانات تجارة السيارات, أو شركة اتصالات, أو أي مناسبة اقتصادية, حيث يقوم وزير التجارة أو رئيس الوزراء أو من يمثله بقص شريط افتتاح معرض للسيارات الفخمة أو طرح منتج جديد في السوق, في حين أن كل هذه البهرحة الإعلامية لا تتعدى كونها مجرد عملية تسويق لمنتجات غربية أو يابانية أو صينية. والشركة في هذه الحالة ليست سوى وكيل محلي يقوم بتسويق هذه المنتجات الغربية والآسيوية. ومع ذلك يشعر بالزهو والافتخار الكاذب. ويزيد الطين بلّة أن كل هذا النشاط الاقتصادي لا يمكن له أن يتحرك خطوة واحدة بدون العامل البنغالي والفني الهندي أو الفلبيني, والمدير الأجنبي, في حين لا يحصل المواطن الذي يعاني من البطالة على أي فرصة عمل, ليس فقط بسبب عدم تأهله فنياً لمثل هذه المشروعات, بل لعدم رغبة التاجر في توظيف عمالة غير مهنية وبمرتب عالٍ, في حين يرضى الوافد بربع المرتب. والتاجر وإن كان محقاً في ذلك من الناحية الاقتصادية, إلا أنه غير محق في عدم مساهمته الفعالة لتدريب الكوادر الفنية الوطنية للحلول محل العمالة الوافدة. ولولا ما تقدمه الحكومات الخليجية من أموال في صورة "دعم العمالة الوطنية" لمن يعمل في القطاع الخاص, لما وجد المواطنون سبيلاً للعمل في القطاع الخاص. وفقاً لما تشير إليه الإحصائيات فإن الوافدين يمثلون اليوم 40 في المئة من سكان منظومة دول مجلس التعاون, وبرغم وجود من يدق ناقوس الخطر من كبار المسؤولين والمثقفين حول هذا التكاثر السكاني غير الوطني, إلا أن الحكومات الخليجية وأصحاب النفوذ الاقتصادي الباحثين عن الأجور الرخيصة, لا يكلفون أنفسهم الاستماع إلى هذا الخطر الذي سيكتسح المجتمعات الخليجية في المستقبل المنظور. وما يشكله وجود هذه الملايين من العمالة الوافدة من أخطار اجتماعية واقتصادية وضغط على الخدمات الصحية والخدمات العامة, وبما أدى إليه ذلك من تردي هذه الخدمات, على حساب المواطنين. وللأسف أن سياسة بناء الأبراج السكنية تزيد من تعقد المشاكل حيث الدوران في حلقة مفرغة تتمثل في أن بناء هذه الأبراج السكنية (وهو النشاط الاقتصادي الوحيد الذي يعرفه سكان الخليج) يحتاج إلى العمالة الوافدة, ثم المزيد من البطالة بين الشباب الذي يحمل مؤهلاً جامعياً ولكنه يفتقر إلى التدريب المهني الجيد. الاقتصاد الخليجي المزدهر حالياً بسبب وفرة المال الذي لم يشق المواطنون في سبيل تحصيله, لا يمكنه العيش والاستمرار بدون العمالة الوافدة. فالإنسان الخليجي اليوم مستعد لأن يكون مديراً أو وزيراً, ولكنه غير مستعد للتدريب المهني. وفي ظل حكومات تقول لمواطنيها اجلسوا ويأتيكم رزقكم رغداً إلى أفواهكم, كيف يمكن بناء اقتصاد حقيقي يقلل من مستوى البطالة, ويحفظ الأوطان من مغبة الانزلاق نحو هاوية الضياع السكاني, واندثار الروح الوطنية بين شباب المستقبل.