ليست الأزمة الاقتصادية الأميركية، أزمة بالمعنى الحرفي للكلمة، فيما لو لم تكن راغباً في بيع منزلك، أو لم تكن من أصحاب البيوت المملوكة عن طريق الرهن العقاري، أو إن كنت صاحب وظيفة جيدة ليس مرجحاً لك أن تفقدها عاجلاً. والحقيقة أن عدداً قليلاً جداً من الأميركيين تعيّن عليهم بيع منازلهم الآن. أما الذين اشتروا منازلهم اعتماداً على المضاربة، فهؤلاء يحصلون على ما ضاربوا عليه، لأن خسارتهم مستمدة من هذه المضاربة نفسها. وينطبق الشيء نفسه على أصحاب الأرصدة الائتمانية السيئة. ويبقى القول أخيراً إن لغالبية العاملين وظائف جيدة ليس مقدراً لهم أن يفقدوها. وبما أن واقع الحال كذلك، فلم كل هذا الصخب؟ والإجابة: انهيار الأسواق المالية. إذن، أليس علينا أن ندع "الحيتان الكبيرة" تخسر، طالما أنها تبقى كذلك؟ كلا، ليس هذا بالقرار الصائب أبداً. والسبب أن انهيار أسواق الائتمانات سوف يؤثر علينا جميعاً، مثلما فعل قبل انهيار عام 1929 وإبان الركود الاقتصادي الذي شهده ذلك العام. فما الذي يمكن فعله يا ترى؟ وتبدأ الإجابة عن هذا السؤال بلب المشكلة، المتمثلة في الرهن العقاري. فالواجب أن يعاد تحديد قيمة الرهن العقاري الحالي، بحيث تكون أدنى من القيمة الفعلية للمنزل. وفي هذا ما يشعر الدائن بأن لديه شيئاً يخسره في حال تخليه عن الرهن. وعلى الحكومة أن توفر الأرصدة والميزانية اللازمة لهذا الخفض في قيمة الرهن الحالي، باعتبار أن هذه الخطوة تمثل الدعم الوحيد الذي تستطيع الحكومة تقديمه لممولي هذه القروض. وبهذا نخلص إلى القول إنه وما لم يتخل المدينون عن رهنهم العقاري، فلن تكون هناك أزمة في الأسواق المالية. ويمكن لنا في المستقبل تنظيم الأسواق بحيث يمنع حدوث انهيار في الرهن العقاري الأساسي هذا. ولكن دعك عن الحديث عن المستقبل الآن، ولنواجه الأزمة الماثلة أمامنا حالياً. فهي أزمة منشؤها الفعلي ارتفاع أسعار النفط وتهجير الوظائف الأميركية. بالطبع هناك حل لأزمة ارتفاع أسعار النفط هذه، إلا أنه حل مؤلم للغاية. هب أن هناك الكثير من النفط الخام الذي لا يزيد سعر البرميل منه على 20 دولارا في مختلف أنحاء العالم، خاصة في أعماق البحار وكذلك في رمال القار الكندية. ولكن من سيبحث أصلاً من أجل الحصول على برميل نفط خام سعره 20 دولارا بينما تغتني المملكة العربية السعودية باحتياطي نفط لا يزيد سعر البرميل منه على 5 دولارات فحسب؟ لا أحد بالطبع. والمطلوب في هذه الحالة أن يطمئن دافعو الضريبة الأميركيون، المنتجين المحتملين لنفط المستقبل، على أن سعر البرميل لن ينخفض مطلقاً دون سعر 20 دولارا، وبالتالي فليس مرجحاً لهؤلاء المنتجين أن يخسروا استثماراتهم في القطاع النفطي. ويسهل فعل هذا إلى حد لا نتصوره. ففي وسع الولايات المتحدة الأميركية توفير ما يكفي من الضمانات لشرائها كل ما تحتاجه من النفط بسعر 20 دولارا للبرميل الواحد، قبل أن تقدم على شراء أي كميات إضافية من منظمة "أوبك". وفي هذا ما يرغم أسعار النفط العالمي على الرجوع إلى سعر 20 دولارا عن البرميل، ولكن مع الاستبعاد التام لاحتمال انخفاضه إلى سعر 5 دولارات. وبالمقارنة، فإن لمشكلة تهجير الوظائف الأميركية حلاً مشابهاً. فلنعمل أولاً على تشجيع انخفاض قيمة الدولار. عندها سوف يتشجع المنتجون على جلب الوظائف المهجرة تارة أخرى إلى الولايات المتحدة. ولنفترض مثلاً أن على الدولار أن ينخفض بمعدل 50 % من سعره الحالي... فمن ذا يكترث، إذا ما استثنينا فئة الأميركيين المحدودة الراغبة في السفر إلى الخارج، أو في شراء بعض المنتجات الأجنبية؟ وفيما لو أراد البعض زيارة المناطق المدارية على وجه التحديد، فلديهم جزر "فيرجن" هنا على مرمى حجر منهم داخل بلادهم. وطالما أن الحلول سهلة وجاهزة إلى هذا الحد، فلماذا لا نأخذ بها إذن؟ إنها حلول سهلة، غير أنها مؤلمة جداً. والمقصود بهذا أن خفض قيمة المنازل المشتراة بالرهن العقاري الحالي، مكلف مالياً. وبالمثل يكلف إجراء خفض الدولار، بما يضمن استعادة المزيد من الوظائف الأميركية المُهجّرة، وكذلك متعة السفر إلى الخارج وشراء المنتجات الأجنبية. فما السبيل إلى الحل العملي إذن؟ من حسن الطالع أننا في انتظار رئيس جديد يتوقع وصوله إلى البيت الأبيض في شهر يناير المقبل... ولكن ألا ما أبعد هذا "اليناير" المرتجى! وهذا ما يعيد الكرة تارة أخرى إلى ملعب إدارة بوش، التي يتعين عليها الإسراع باتخاذ جملة من الإجراءات المؤدية إلى تحسين الوضع الراهن. فهي يتوقع منها أن تخصص التمويل اللازم لخفض قيمة الرهن العقاري الحالي، بما يمكن المدينين من ملاك البيوت المرهونة من سداد الأقساط الشهرية المستحقة عليهم. كما يتوقع منها أن توفر الضمانات اللازمة لخفض أسعار النفط العالمي إلى 20 دولارا عن البرميل الواحد. وثالثاً ينبغي عليها أن تشجع انخفاض قيمة الدولار، لكل الأسباب المذكورة أعلاه. لكن للأسف ليس متوقعاً للمطلبين الأولين أن يتحققا، في حين يستمر انخفاض قيمة الدولار، سواء أذنت الإدارة بذلك أم لم تأذن. والسبب هو ضخامة العجز في الحساب الجاري للخزانة الأميركية. فهل ثمة مخرج من هذا الفخ الدائري؟ ليستر سي. ثورو ــــــــــــ أستاذ الإدارة والاقتصاد بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا. ــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"