تحت عنوان "مستقبل الكويت: أسئلة مشروعة وأجوبة مستحقة"، انعقدت ندوة صحيفة "الجريدة" الكويتية يومي 2 و 3 مارس 2008 والتي حشدت الكثير من أعلام السياسة والاقتصاد. الندوة التي أقيمت في فندق شيراتون كانت لقاء مصارحة ومكاشفة حول مسيرة المجتمع والمقاصد المستهدفة في شتى الجوانب التنموية للبلاد. لم يكن في المداخلات والمحاضرات الكثير من التفاؤل! النائب السابق في مجلس الأمة "وليد الجري" أكد أن الوضع السياسي في الكويت يتراجع بسبب الأزمات السياسية المتكررة. وقال ليس معقولاً أن يتجاوز المقيمون عدد المواطنين، كما أن موقع الكويت في ميزان الشفافية ومكافحة الفساد يتراجع فقد كان ترتيبنا 35 وهو الآن 60، بعد أن سبقتنا كل دول مجلس التعاون خصوصاً البحرين ودولة الإمارات. وطالب "الجري" الأسرة الحاكمة بحسم أمرها، وبانحيازها للدستور، وأن يوضع حد للتدخل في الانتخابات. النائب السابق "مشاري العصيمي" كذلك طالب بالتصارح حول واقعنا الحالي و"المأساة التي نعيشها في جميع القطاعات والتراجعات التي تحيط بنا". وهاجم العصيمي خرق القوانين وإعطاء الوزراء حق الاستثناء لدى تطبيقها وتأسف لعدم تدخل القضاء لحماية الدستور عندما حُلّ مجلس الأمة بمرسوم أميري عامي 1976 و 1986 وقال "إننا استبدلنا دولة القانون والدستور بدولة الارتجال، ولا بد من مؤتمر وطني ينتشلنا من حالة الانحدار". وقال الشيخ أحمد الفهد الصباح إنه لم يحضر للدفاع عن الأسرة الحاكمة أو الوقوف موقفاً منحازاً، بل ليقول الحقيقة رغم قدرته على الخوض في كل التفاصيل السياسية. وأضاف نحن في الكويت محظوظون بتجربتنا السياسية المبكرة. وقال إن مسؤولية النجاح مشتركة والبلد يمتلك بنية تحتية من التشريعات من شأنها أن تقودنا إلى العالمية لكن أين الخلل؟ الخلل في "طغيان الجانب السياسي على جميع المجالات. وإذا أردنا أن نجهز البلد للمستقبل فعلينا تحصين مؤسسات البلد من السياسة وفصل القطاعات عن بعضها، فهناك نوعان من العراك السياسي: الأول مدمر والآخر معمر. نحن نطمح إلى العراك المعمر الذي سيطور البلاد وينقلها إلى العالمية، والكويت لديها تجربة جميلة في الانتقال من الدولة القديمة إلى الحديثة". أما مدير عام غرفة تجارة وصناعة الكويت أحمد راشد الهارون، فقد افتتح حديثه بالإشارة إلى ميزات البلاد وقال: "الكويت في التحليل الاقتصادي والتاريخي ميناء طبيعي وموقع استراتيجي وحرية فكرية واقتصادية وتلاحم عضوي بين حكم رشيد ومجتمع مدني نشيط". هكذا كانت الكويت ولكن هل لا تزال؟ فالاقتصاد الكويتي يعاني اليوم من اختلالات هيكلية!". من أبرز هذه العلل، في حديث "الهارون" الضعف والبطء في اللحاق بالمستجدات العالمية والعولمة ومتطلباتها والبطء في وضع الهدف في أن تكون الكويت مركزاً مالياً وتجارياً ومن هذه العلل هذا الاختلال الهيكلي في الإنتاج والعمالة وهيمنة القطاع العام على مجمل الاقتصاد، حيث 88 % من الكويتيين موظفون لدى الحكومة و12 % لدى القطاع الخاص. وأضاف أن القاعدة الإنتاجية لم تتسع واعتمادنا على النفط زاد وتضاعفت مشاكل الخلل السكاني إلى جانب البطالة المقنّعة بين الكويتيين. وقال إن ثمة 3 سيناريوهات لمستقبل دول مجلس التعاون الأول أن تنعم المنطقة بنمو اقتصادي جيد يدعمه ارتفاع كبير في أسعار النفط. وستحرز هذه الدول تقدماً مقبولاً في التنمية الاقتصادية مع تخلف في التنمية الاجتماعية وإصلاحات ديمقراطية محدودة وعلاقات متقدمة مع الغرب وآسيا، وهذا السيناريو يسمى "الواحة"! الثاني ويسمى بـ"العاصفة الرملية" فيتصف بهيمنة قضايا الأمن والهموم المحلية وبأسعار نفط منخفضة بسبب انهيار في الأسعار عام 2011، مما يخلق مشاكل في الميزانيات ومديونيات فيما يواجه القطاع الخاص منافسة عالمية بينما يتفاقم التوتر الاجتماعي بسبب الإرهاب وتراجع الرفاه واتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء ويتزايد الاعتماد على الولايات المتحدة. الثالث ويسمى "الخليج الخصيب"، وهو الأكثر تفاؤلاً وينتهي إلى اندماج أكثر وكفاءة في ميدان العولمة وتصبح المجتمعات أكثر التصاقاً وتعاوناً وذات ثقافة متكاملة وبأسعار نفط مرتفعة وباستثمارات ضخمة في التعليم والابتكار واقتصادات تعمل حسب قوى السوق مع تعاون خليجي أقوى وتوزيع للدخل أعدل ومشاركة ديمقراطية أفضل! السيدة "شيخة البحر" نائب الرئيس التنفيذي في "بنك الكويت الوطني"، أعادت إلى الأذهان الدور الذي قام به التجار في تطوير الكويت، وقالت إن التجار امتلكوا منذ القدم رؤية لتحويل الكويت إلى بلد يستغل امكاناته في قطاعات التنمية المختلفة. حتى فكرة المنطقة الحرة "ظهرت في الكويت منذ الستينيات غير أن المستغرب أن دبي نفذتها بينما لا نزال في الكويت نرجع إلى الوراء. فبدل مكافأة الشركات عاقبناها وانتقدت مخرجات التعليم حيث لا تتوافق مع احتياجات القطاع الخاص... ودعت "شيخة البحر" إلى التفكير في مجلس استشاري لإيضاح الرؤية للكويت حتى عام 2020. وانتقد عضو المجلس الأعلى للتخطيط "علي الرشيد البدر" التبذير وعدم تبلور الأهداف و"الأجهزة الحكومية المترهلة بعشرات الآلاف من الشباب الكويتي المتعلم والقادر على الإنتاج لو أتيحت له الفرصة في جو إنتاجي منفتح". وقال إن الدولة مهيمنة على الاقتصاد حيث "لم يتبق للمواطنين إلا بعض الأعمال العقارية التجارية على رقعة محدودة تتصاعد أسعارها إلى مستويات غير اقتصادية". حتى مشاريع الـB.O.T نرى الدولة تمتلك الأرض، وتؤجرها للمستثمرين لمدة معينة وهذا خطأ فادح، لأن الشركة "ستستخدم مواد وأساليب بناء منخفضة التكلفة ومتوسطة الجودة في بناء المشروع وستحرص على استرجاع أموالها وأرباحها في فترة قصيرة، لذلك سيكون سعر الخدمات التي سيقدمها المشروع مرتفعاً تماماً بسبب قصر فترة الاستثمار". الخبير الاقتصادي د. عبد العزيز السلطان، مزج التفاؤل بالنقد والتشاؤم، وقال"ما يجري الآن يسير في الطريق الصحيح، وإنْ كان ببطء وإن خصخصة القطاع النفطي من الأفكار التي تستحق النقاش من ناحية التوفير". وأشار إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن في أن الكويت لا تعتبر دولة دينية ولا هي أيضاً دولة علمانية ولا هي دولة اشتراكية ولا كذلك دولة رأسمالية. وأشار إلى عدم وجود حكومة تعرف ما تريد. وأضاف إن غياب هذه الرؤية الحكومية يجعلها عاجزة عن تفعيل مجلس الأمة والتعاون معه. الاقتصاد الكويتي والخليجي لغز حقيقي وظاهرة عجيبة في مجال الإنتاج لا تكاد تنطبق عليه قواعد اقتصادية كثيرة. وما من دارس لهذا الوضع إلا ويُفاجأ بوجود ثروات ضخمة دون وجود قاعدة صناعية جبارة وفي الغالب لا تتحكم مجهودات الابتكار وتحسين البضاعة ومراعاة أذواق المستهلكين في ترويج المنتجات! بل نرى الأسعار تقفز وتتضاعف مراراً والصراع يحتدم بين المستهلكين دون أن يحرك المنتجون في دول النفط أي ساكن في مجال العرض والتشويق والتسويق! وهو منتج تتسع مشتقاته وصناعاته باستمرار ويتزايد اعتماد دول العالم عليه وقد يستغني العالم عن الذهب، ولكن لا يمكن الاستغناء عن النفط. وهكذا تتزايد ثروات دول النفط وتعاني دول العالم من تزايد تكاليف استيراده وفي الوقت نفسه تجد دول النفط نفسها أمام مشاكل حقيقية في التعامل مع هذه الثروة. فليس من السهل توفير كل هذه الرفاهية للناس وتحفيزها في الوقت نفسه على الإنتاج وبذل الجهد. ولا بد من التخطيط لمشاريع عملاقة لتشغيل هذه الأموال والموارد ومتابعة تطويرها تحسباً لانخفاض أسعار النفط.. ولكن كيف؟ وكثير مما قيل في هذه الندوة عن دور القطاع العام والخاص يستحق التحليل! وبخاصة إذا كان الهدف استعادة التجار ورجال الأعمال لدورهم البارز في الكويت ودول الخليج ودول عربية عديدة مثل مصر ودول الشام. فلم يعد يكفي أن يحصر هؤلاء همهم بالمشاريع الاقتصادية وزيادة المداخيل والأرباح، فهذا متحقق وفي مساره الطبيعي. ولكن ما لم يبرز حتى الآن هو الدور السياسي والاجتماعي والقانوني لهذه القيادات الإنتاجية ومثل هذه الأدوار لا نراها حتى الآن متماسكة أو مؤثرة، فلعل مثل هذه الندوة أن تكون حافزاً لها!