إحدى النتائج المؤسفة للهجوم الذي نفذته القوات الحكومية خلال الآونة الأخيرة داخل البصرة تكمن في حقيقة أن الرسوم البيانية التي عرضها الجنرال "ديفيد بترايوس" والسفير الأميركي "ريان كروكر"، خلال مثولهما أمام الكونجرس يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، تُظهر ارتفاعاً طفيفاً في أعمال العنف بالعراق الشهر الماضي. غير أن ذلك يمثل في الواقع الاستثناء وليس القاعدة، على اعتبار أن أعمال العنف تراجعت منذ فترة إلى مستويات ما قبل شهر مارس، وأن العراق ينعم اليوم بقدر أكبر من السلم مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل "الزيادة" (زيادة عدد القوات الأميركية في العراق). وعلاوة على ذلك، فقد انخفضت الوفيات في صفوف المدنيين بأكثر من 80 في المئة، والوفيات الأميركية بأكثر من 60 في المئة منذ ديسمبر 2006. وأمام هذه الدلائل على النجاح العسكري الذي حققته "الزيادة"، ذهب منتقدو الجهد الحربي إلى القول إن التقدم السياسي الموعود لم يحدث. والحال أن هذا الكلام أصبح متجاوزاً أيضاً، حيث تم حل العقدة التشريعية في الثاني عشر من يناير حين مرر البرلمان العراقي قانوناً يرمي إلى تيسير إعادة إدماج "البعثيين" السابقين في المجتمع. صحيح أنه مازالت ثمة أسئلة معلقة بخصوص كيفية تطبيق هذا القانون، إلا أن الثابت هو أن البرلمان حقق اختراقاً أهم في الثالث عشر من فبراير حين مرر قانوناً حول صلاحيات المحافظات، وقانوناً يعفو عن العديد من المعتقلين (سنيين في الغالب)، وميزانية وطنية جديدة. وعلى الرغم من أن أحد نواب الرئيس العراقي استعمل "الفيتو" للاعتراض على قانون صلاحيات المحافظات، إلا أن اعتراضه سرعان ما سُحب لاحقاً ليتم اعتماد القانون من قبل مجلس الرئاسة العراقي، ويحدَّد موعد إجراء انتخابات المحافظات في الأول من أكتوبر المقبل. وحسب "معهد السلام الأميركي"، فـ"ربما سيتم تذكر الثالث عشر من فبراير 2008 باعتباره اليوم الذي بدأ فيه المناخ السياسي في العراق يواكب تحسن الوضع الأمني– أو بتعبير أدق، اليوم الذي اكتشف فيه الزعماء العراقيون مفتاح التوافق السياسي والمصالحة". وبشكل عام، وحسب "فريديريك دبليو. كاجان" من معهد "أميركان إنتربرايز"، فإن الحكومة العراقية "تمكنت من استيفاء 12 معياراً من أصل المعايير الثمانية عشر التي حُددت لها، ومن ذلك أربعة من أصل المعايير التشريعية الستة الرئيسية. كما أحرزت تقدماً مهماً بخصوص خمسة معايير أخرى؛ ويظل معيار واحد فقط جامداً بالفعل". أما هذا المعيار الذي مازال استيفاؤه متعذراً، فهو قانون المحروقات، وإن كان هدفه (الاقتسام العادل للعائدات النفطية) يتحقق بحكم الواقع من خلال الميزانية. لا نقصد مما تقدم القول إن كل شيء في العراق هو على ما يرام؛ فالعراق مازال بلداً في حالة حرب، ويعاني مشاكل كبيرة سيستغرق حلها سنوات. ونتيجة لذلك، فإن لكل مؤشر على التقدم في العراق، هناك كلمة "ولكن" التي تعقبه. فقد تكبدت "القاعدة" في العراق خسائر جسيمة خلال العام الأخير، وطُردت من محافظات الأنبار وديالى وبغداد، ولكنها مازالت صامدة في الموصل حيث تخوض القوات الأميركية والعراقية معركة صعبة ضد الإرهابيين. وقد أظهر رئيس الوزراء نوري المالكي تصميماً مرحباً به على ملاحقة المتطرفين الشيعة، ولكن هجوم البصرة أظهر أن المالكي مازال يفتقر إلى القدرة على هزم "جيش المهدي" وميليشيات أخرى تتلقى دعما واضحاً من إيران. ثم إن تسعين ألف عراقي (معظمهم سُنيون) التحقوا بـ"أبناء العراق"، وهي منظمات أمنية تدعمها الولايات المتحدة، من أجل حماية أحيائهم من الإرهابيين، ولكن الحكومة المركزية مطالَبة بإحراز تقدم أكبر بخصوص توفير عمل طويل المدى لهم، سواء في الوظائف المدنية أو في قوات الأمن العراقية. وفي هذه الأثناء، يزداد حجم قوات الأمن (من أقل من 500000 في 2006 إلى أزيد من 600000 اليوم)، ومعه الكفاءة (رغم أن بعض العناصر غادرت الجيش في البصرة، فإن معظمها لا تهرب من القتال)، ولكنها مازالت في حاجة إلى الدعم الأميركي، وخاصة بالنسبة للمراتب الأعلى مستوى مثل القيادة والتحكم، والتغطية الجوية، والمسائل اللوجستية، وجمع المعلومات الاستخباراتية. أما من الناحية السياسية، فصحيح أن الزعماء العراقيين يظهرون قدرة مرحباً بها على عقد التوافقات، ولكن الكفاءة الإدارية تظل متدنية؛ حيث فشلت الحكومة في توفير الخدمات الأساسية التي قد يُشرع في معالجتها بعد انتخاب حكومات محلية جديدة في المحافظات. ولعل السؤال الذي يتعين على المناوئين للجهد الحربي أن يجيبوا عليه هو: هل ستتحسن مشاكل العراق أم ستسوء إذا نحن سحبنا قواتنا منه؟ الواقع أن القليلين جداً ممن قضوا وقتاً في العراق يستبعدون أن يتسبب انسحاب أميركي في الفوضى، التي قد تجعل القتال الأخير الذي دار في البصرة يبدو كما لو أنه كان نزهة. ثم إن ذلك لن يشكل وصمة عار لنا فحسب (قد نصبح مسؤولين بشكل غير مباشر عن الإبادة الجماعية) وإنما انتكاسة استراتيجية كبيرة أيضاً لأنه قد يزعزع استقرار المنطقة برمتها. إن النصر -الذي يُعرف في هذه الحالة كدولة ديمقراطية لا تضطهد شعبها، ولا توفر ملاذاً للإرهابيين، ولا تنشر أسلحة الدمار الشامل، ولا تهدد جيرانها- يظل قابلاً للتحقيق إذا نحن أصغينا إلى نصيحة "بترايوس" و"كروكر"، وقاومنا الأصوات المنادية بسحب قواتنا من العراق بسرعة. أما إذا تجاهلنا تحذيراتهما وهممنا بالانسحاب، فلنتوقع حدوث أسوأ هزيمة عسكرية في تاريخ الولايات المتحدة، وانتصار كبير للمتطرفين من السُّنة والشيعة الذين سيواصلون مهاجمتنا في المستقبل. ماكس بوت زميل "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست".