"تحريم السياسة وتجريم الصحافة"، عنوان يلخص مضمون الكتاب الذي أراد مؤلفه صلاح الدين حافظ، أمين عام اتحاد الصحفيين العرب، أن يشخص من خلاله حالة مصر في المجال الديمقراطي، بوصفها عينة نموذجية لباقي الحال العربي في أغلبه! فعلى امتداد أكثر من 200 صفحة، توزعتها مقدمة و10 فصول، يقدم المؤلف توصيفاً نقدياً حاداً وعميقاً لواقع الحريات الإعلامية والسياسية في مصر، مشيراً بصراحة كبيرة إلى طوق المحرمات وترسانة إجراءات الرقابة والتحريم والمنع حول العمل الصحفي، ومتحدثاً عن "الإفساد المتبادل بين السياسة والصحافة"... باعتبار ذلك نوعاً من "القصف الأرعن" ضد حرية الصحافة والسياسة معاً، أي بوصفه إهداراً لمبادئ حقوق الإنسان، في الوقت الذي ينعم عالم القرن الحادي والعشرين بالحرية والديمقراطية و"يمارس النقد ويعالج التجاوز ويحاسب ويسائل"، دون أدنى خوف من سجن الصحفيين وأصحاب والرأي! ومقارنة بالتداخل القوي والعميق بين السياسة والصحافة في البلاد الديمقراطية، يرى الكاتب أن الاشتغال بالصحافة في البلاد غير الديمقراطية، يمثل "مخاطرة غير مأمونة العواقب، ربما تورد صاحبها موارد التهلكة، إن أخذ الأمور بجدية وصدق وأمانة". وحيث لا تنفصل حرية الصحافة عن باقي الحريات العامة، ولا مجال لبناء نظام ديمقراطي دون صحافة حرة، يعتقد المؤلف أن "تجريم الصحافة" يبدأ بـ"تحريم السياسة"، وأن الاثنين معاً لا بد أن يتحولا في هذه الحالة إلى ضغط يولد الانفجار. ففي مصر جاء عام 2005/2006 حاملاً صدام الغضب مع العنف، بعد أن سدت قنوات الاتصال بين القمة والقاعدة، فنطق الصامتون وغضب الساكتون، ونزلوا جميعاً إلى الشارع، في تحرك امتدت مساحاته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وقد مهدت الأرض أمام ذلك الحراك السياسي الواضح، صحوة صحفية جديدة بدأت في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، حيث تصاعدت لهجة النقد الخفيف والعنيف معاً، لسياسات النظام، خاصة فيما يتعلق بتباطؤ إطلاق الحريات العامة والإصلاح الاقتصادي على النمط السائد الذي "وسّع مساحة الفقر والبطالة". ثم تصاعدت لهجة النقد والهجوم مع جيل جديد من الصحافة الخاصة التي خاضت "معارك صحفية ضد الفساد والاستبداد"، مما وضع الصحافة المملوكة للدولة في مأزق صعب، مثلها مثل السلطة ذاتها أيضاً! ويتطرق الكاتب لقضية الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي، والتي كانت حلماً راود الجميع، خاصة مع بداية الألفية الثالثة ومع نجاح شعوب في أنحاء عديدة من العالم في التحول من الديكتاتورية الى النظام الديمقراطي، لكن بعد هذه السنوات تحول الحلم الى ما يشبه الوهم. أما "الخائن الأكبر" الذي يرى المؤلف أنه ضحى بالديمقراطية وبالمبادئ والقيم الليبرالية، فهو الولايات المتحدة الأميركية التي تمارس الانتهازية السياسية في عالم اليوم، وتستخدم كل الأدوات لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها، بصرف النظر عمن يحكم في أي بلد، ديكتاتوراً كان أم ديمقراطياً. ووفقاً له فإن أميركا اغتالت حلم الإصلاح الديمقراطي مرة أخرى من خلال اختراق الإعلام الداخلي والمحلي مباشرة، أو من خلال إنشاء إعلام ممول أميركياً وموجه إلى الرأي العام العربي، فأصبحنا في مواجهة هجوم إعلامي فكري أميركي يساهم في خلط المفاهيم وتشويش الرؤى وإرباك الاتجاه. وفي معرض تناوله لـ"تجريم الصحافة"، يستفيض المؤلف في عوائق الإصلاح الديمقراطي، لاسيما في غياب أحد شروطه الأساسية ألا وهو حرية التعبير، قائلاً إن ثمة مراكز قوة، من ساسة ورجال أعمال وصحفيين وخبراء حقوقيين... تعمل على تعطيل الجهود الرامية إلى فرض وتحقيق الإصلاح الديمقراطي، كما يتناول التعديل الذي أدخل على بعض المواد في قانون العقوبات المصري الصادر عام 1937، والحامل لقيود مشددة على حرية الصحافة والرأي والتعبير. لكن علاوة على أن التعديل المذكور، والذي تم إدخاله عام 2006، يقتصر على أربع مواد فقط، فإن الحكومة ظلت متمسكة بأكثر من 20 مادة أخرى في قانون العقوبات نفسه، وفي قانون الصحافة الصادر عام 1996، وتنص على عقوبة الحبس وجوباً، وهو عقوبة سالبة للحرية! وتحت عنوان "الحريات المكبوتة والحقوق المقهورة"، يغوص المؤلف في تفاصيل الواقع الإعلامي العربي، متناولاً إياه من زاوية حقوق الإنسان في بعض الدول العربية ذات الهامش الديمقراطي المحدود والمحكوم، مثل مصر ولبنان والمغرب والأردن والكويت واليمن، ليلاحظ أن هذه الدول مالت خلال السنوات الأخيرة، ليس إلى دفع التطور الديمقراطي نحو استكمال نسقه الطبيعي والمستحق، بل نحو التشدد سلباً في التعامل مع ثقافة حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير. وهكذا وقعت حرية الصحافة في تلك الدول تحت مطارق تغليظ العقوبات وإحكام الأسوار وتوسيع الممنوعات والمحرمات... أي تحت طائلة تجريم النقد وتأثيمه. لكن وسط هذه الصورة المظلمة، يضيء صلاح الدين حافظ شموع الأمل، معلقاً إياها على عاملين: أولهما نزوع الشعوب العربية التواقة بطبعها إلى الحرية، بفضل خصوبتها الحيوية العالية، وبفضل اتساع قاعدتها لتنوع العمل السياسي وحرية الرأي والصحافة، بما يمثل وجهاً من وجوه التناقض، أو حيوية متمردة إن شئت! أما العامل الثاني فهو ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال الحديثة، والتي أجبرت كثيراً من الحكومات على الإنصات والاستماع، وعلى إعادة رسم فلسفة التقييد والمنع... ففي مجتمعات الثورة المعلوماتية لم تعد السياسة محرمة على العمل الصحفي، بل أصبحت مرتبطة بها مباشرةً، وجزءاً في بعض الأحيان! محمد ولد المنى ـــــــــــــ الكتاب: تحريم السياسة وتجريم الصحافة المؤلف: صلاح الدين حافظ الناشر: دار الشروق تاريخ النشر: 2008