يسعى الناشطون البيئيون إلى إقناعنا بأن ارتفاع حرارة الأرض ليس أقل أهمية من الإرهاب أو من حرب نووية أو من الأمراض المعدية أو من انهيار الاقتصاد العالمي... لكن اللافت أن حملة انتخابات الرئاسة الأميركية الحالية، تبدو خالية تقريباً من المناقشات حول موضوع الاحترار الأرضي. وإذا كان هذا الأمر يثير حفيظة النشطاء، إلا أنه لا يخلو من مبررات منطقية بعض الشيء؛ ذلك أن نظرة سريعة على مواقعهم الإلكترونية تُظهر أن مواقف "الديمقراطيين" من هذا الموضوع متوافقة بحيث لا تترك مجالاً لنقاش داخلي، هذا بينما اتسمت مواقف المرشح "الجمهوري" بالإطناب إلى درجة أنه لا يوجد الكثير مما يمكن مناقشته فيها. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن موضوعات البيئة تحتل مراتب متأخرة ضمن قائمة أولويات الناس مقارنة بموضوعات كالرعاية الصحية، والجريمة، والمخدرات، والهجرة، والطاقة... ومع ذلك يمكننا أن نتوقع، حيث أصبح التنافس الانتخابي مقتصراً على ثلاثة مرشحين، رؤية مزيدٍ من النقاش حول الموضوعات البيئية كوسيلة لتمييز "الديمقراطيين" عن "الجمهوريين". كما يمكننا أن نرى شكل هذا النقاش حتى قبل أن يُعرف من سيمثل "الديمقراطيين" في انتخابات نوفمبر المقبل. أولاً؛ سيتعلق الأمر بمعركة حول ارتفاع حرارة الأرض وسياسة كل مرشح في مجال الطاقة، وهما مسألتان حجبتا كل الموضوعات البيئية الأخرى. ثانياً؛ أنه بدلاً من الدخول في جدل حول ما إن كنا سنتناول موضوع تغير المناخ أم لا، فإن نقاش هذا العام سيتمحور على الأرجح حول الصرامة والوسيلة. ولنبدأ بمسألة الصرامة: ما هي كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يريد المرشحون خفضها؟ بخصوص هذا الموضوع، يبدو برنامجا هيلاري كلينتون وباراك أوباما متشابهين تقريباً، إذ يدعوان إلى تدابير لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 80% مقارنة مع مستويات 1990 بحلول 2050. وبالمقابل، يفضل جون ماكين هدفاً أقل صرامة يتمثل في خفض انبعاثات الغاز بـ30% مقارنة مع مستويات 2004 بحلول 2050. أما بخصوص موضوع الاقتصاد في استهلاك وقود المركبات، فيدعو الديمقراطيون إلى زيادةٍ تصل 40 ميلاً للجالون الواحد بحلول 2020، بينما سبق لماكين أن صوَّت لرفع المعايير إلى 36 ميلاً للجالون بحلول 2016. والواقع أن لهذه الاختلافات أهميتها، إذ من المرجح أن يهاجم الديمقراطيون مواقف ماكين باعتبارها "ضعيفة من الناحية البيئية"، في حين قد يجادل ماكين بأن الموقف الديمقراطي ليس سليماً من الناحية الاقتصادية. وإذا كان هذا التوتر الدائم بين البيئة والاقتصاد موضوعَ استياء وتذمر النشطاء البيئيين في السنوات الأخيرة، حيث سُجِّلَ أداءٌ اقتصاديٌ جيدٌ، فإنه من المستبعد أن يتراجع في وقت تقف فيه الولايات المتحدة على عتبة ركود اقتصادي، ويواجه قطاع صناعة السيارات الأميركي متاعب تضعف قدرته التنافسية. أما المجال الثاني، حيث من المرجح أن يختلف المرشحون، فيتمثل في الوسائل المستعملة لحماية البيئة. وهنا أيضاً توجد مجموعة من الاختلافات. فبخصوص موضوع الطاقة المتجددة على سبيل المثال، تدعو حملة كلينتون- أوباما إلى أن تنتج الولايات المتحدة 25% من الكهرباء بواسطة مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2025، علماً بأنهما لا يَعتبران الوقود الأحفوري من مصادر الطاقة المتجددة. كما يرغبان في زيادة الاستثمار في البحث والتطوير في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث تعهد كلاهما بـ150 مليار دولار في البرامج والمبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة على مدى السنوات العشر المقبلة. وبالمقابل، يؤيد ماكين مصادر الطاقة المتجددة، لكنه لم يضع أهدافاً محددةً للكمية التي يجب إنتاجها، مثلما لم يسعَ لكسب دعم "لوبي" الطاقة المتجددة عبر تعهدٍ ملموس بالاستثمار في هذا القطاع. أما بخصوص مسألة الوقود البيولوجي، فثمة مفارقة مماثلة: إذ تدعو حملة كلينتون- أوباما إلى إنتاج 60 مليار جالون من الوقود البيولوجي في الولايات المتحدة بحلول 2030، إضافة إلى المعونات، بينما يدعم ماكين الوقود البيولوجي بصفة عامة، لكن بدون معونات. غير أن ثمة تقلباً في الموقف من جانب ماكين في هذا المجال: فبينما كان ماكين يعارض من قبل استعمال الإيثانول لأسباب اقتصادية وأخرى تتعلق بالفعالية والبيئة، فيبدو أن موقفه تغير عندما وصل إلى ولاية آيوا. فقد قال ماكين في 2003: "إن الإيثانول لا يفعل شيئاً لتقليص استهلاك الوقود، ولاشيء لزيادة استقلالنا في مجال الطاقة، ولا شيء لتحسين جودة الهواء". أما في 2008، فقال: "إنني أدعم الإيثانول وأعتقد أنه مصدر بديل مهم وأساسي من مصادر الطاقة، ليس بسبب اعتمادنا على النفط الخارجي فحسب، وإنما أيضاً لتأثيراته على خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري". وأخيراً، إذا كان المرشحون الثلاثة جميعهم يوافقون على الطاقة النووية، فإن دعم كلينتون وأوباما يمكن وصفه في أحسن الأحوال بالفاتر، بينما يبدو واضحاً أن ماكين من المشجعين المتحمسين للطاقة النووية. في حال تمكنت البيئة من فرض نفسها على النقاش الرئاسي في الأشهر المقبلة، فالأرجح أنه سيكون نقاشاً حول الصرامة والوسائل. فإذا كان معسكر كلينتون- أوباما يدعو إلى أهداف صارمة، فإن ماكين يدعو إلى خفضٍ أكثر تواضعاً للغازات المسببة للاحتباس الحراري. وإذا كان الديمقراطيون يريدون الإنفاق على البحث والتطوير ومعونات للطاقة المتجددة، فإن ماكين يبدو في الغالب متحفظاً حول هذين الموضوعين. والواقع أن حملة هذا العام يمكن أن توفر موضوعات للتأمل؛ فنحن جميعاً نريد حماية البيئة، لكن الأسئلة: "إلى أي مدى"، و"بأي وتيرة"، و"بأي كلفة"، و"كيف"... لم تكن أسئلة رئيسية حتى الآن، وحان لها أن تكون كذلك! كينيث غرين ـــــــــــــ زميل معهد "أميركان إينتربرايز" ـــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"