في الجلسة الأخيرة لمؤتمر "الخليج بين المحافظة والتغيير" التي أدارها الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والذي قدم بين يدي الموضوع نصيحة تخلص إلى أن الغرب الذي يبحث عن بن لادن واحد، يبدو أنه بحاجة إلى إنتاج مليون بن لادن، لأن الأمر أسهل مما نتصور، فهو مرتبط بعامل المزيد من الإساءة إلى الإسلام ورموزه المقدسة، فإن كان هذا يرضي طموح الغربيين فإن الطريق إلى ذلك مفروش فقط بصناعة أمثال بن لادن بأيدٍ غربية تدعي أنها تحاربه! إن الإنتاج الغربي للمزيد من البضائع الأيديولوجية وتصديرها على كافة وسائل الإعلام إلى العالم العربي والإسلامي لن يخلق جواً مهيئاً للحوار الذي تتخلله موجات من الإساءات تلد الأخرى، فحريٌّ بمن يدعي حرية التعبير بالمزيد من نشر الأفلام والرسوم المسيئة للرموز الدينية التوقف عن ذلك من أجل التعايش السلمي والتسامح الفكري والتلاقح الحضاري، وإلا فإن النظرية "البنلادنية" في التطرف والإرهاب لا تحتاج إلى كل هذا الوقود لأن حرارة الاشتعال متجذرة في أصل النظرية. يفترض من العالم الغربي أن يكون أدعى في أطروحاته إلى العقلانية التي تراعي الحساسيات الدينية لكل الشعوب على أساس أنها مرتبطة أحياناً بتكوين الإنسان الشخصي الذي يستفز بلا وعي بالآثار المسيئة إلى الأبرياء. إن الغرب بهذا السلوك غير الحضاري يعيش مرحلة تعود به إلى الماورائيات التي تخلى عنها منذ قرون من أجل البناء لما هو مقبل، وهو الذي تخلى عن عباءته الدينية لكي يتفرغ لتنمية ما حوله من سبل التطوير والترقي. فالدرس الذي يجب أن يتعلم منه البعض المتمسك بشماعة حرية التعبير وكأن البُعد عن مس المقدسات بهذه الطريقة الفجة يطعن الحريات من الخلف، أو كأن الحرية المنشودة لا تكون إلا بهذا الأسلوب البعيد عن الذوق الرفيع، وهذا المنطق يرمي بنا إلى عمق عش الدبابير، فالسلامة الاجتماعية مطلوبة لعدم إثارة البعض المستثار بطبيعته البيولوجية، وهؤلاء كما ذكر الدكتور جمال لا يمثلون في العالم العربي والإسلامي أكثر من واحد في المئة، فلماذا يصر البعض في الغرب على قلب الصورة إلى نسبة 99%، فهل بهذا يتحقق النصر للمشروع الحضاري العالمي أم أنه يضع بذلك مبررات التطرف والإرهاب الفكري والمادي بين يدي الواحد في المئة لتتضخم عشرات المرات وتتحول إلى قنبلة موقوتة، بل ذاتية الانفجار عند أول احتكاك في التصعيد الحراري الغربي. فالغرب أقدر المجتمعات على ترك هذه الجزئيات الضارة لكلا طرفي المعادلة وراء ظهره، لأن فيها من الآليات العملية والعلمية التي تساعد على إشاعة أجواء من السلم الاجتماعي العام بعيداً عن سخونة الأجواء وكأنها جزء من سياسة التغير المناخي في السياسة العامة لإدارة الفروقات بين المجتمعات البشرية. حريٌّ بالعالم أجمع وليس الغرب وحده أن يعي أن سياسة الاستفزاز باستخدام سلاح حرية التعبير لا تنتج إلا بؤراً ونتوءات وقروحاً يصعب التخلص منها ولو استخدم في ذلك الجيوش الجرارة والعسكر والعتاد، فإن علاج الفكر أو سلاح الفكر أجدى نفعاً من ترك حبال الحرية تعبث بخصوصيات ومقدسات الشعوب التي يراد منها أن تنصهر في بوتقة الإنسانية المعولمة بحكم الواقع المتجدد والحراك العالمي نحو بناء أسس حضارة إنسانية تسع كل البشرية بكل معتقداتها المتناقضة في الجزئيات والمتحدة في الكليات، فإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف لدولة كالهند أن يعيش شعبها الملياري تحت مظلة ثلاثة آلاف ديانة وثلاثمائة لغة دون أن يحدث في المجتمع أزمة المقدسات والإهانات التي لو تركت حبالها على الغارب لأغرقت كل المنتجات الحضارية تحت ركامها. فإذا كان العالم يعيش هاجس مواجهة التطرف وهو بنسبة 1% اليوم فكيف له أن يواجه صناعة الجزء الأكبر من التطرف والإرهاب باسم حرية التعبير المقدس ولكن ليس ضد المقدسات.