نظّم المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية المنتدى السادس لحوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي تحت عنوان "الثقافة واحترام الأديان" وذلك قبل أسبوعين في مدينة الرياض. وعلى مدى يومين تداول مفكرون من الجانبين الإسلامي والياباني قضايا متعددة منها التالية: البعد الثقافي للعولمة ودوره في تعزيز الحوار بين الأديان، دور وسائل الإعلام والاتصال الحديثة والمؤسسات التعليمية والفكرية والبحثية في غرس ثقافة احترام الأديان، محاولة الوصول إلى تفاهم مشترك لتعزيز ثقافة احترام الأديان، وتأكيد أهمية التعايش السلمي بين الأمم، والمساهمة في الجهود الدولية لتعزيز أهمية حقوق الإنسان والقيم الإنسانية الفاضلة. ولقد طُرحت عدة رؤى من الجانبين الإسلامي والياباني منها: أن العصر الحديث لم يستطع تأسيس حضارة، وأن الغرب فشل في هذا المسعى على رغم التقدم المادي والمكاسب العديدة في عدة مجالات. وأن التعرف ثقافياً على الآخر يسهِّل سبل التعايش ويعزز العلاقات بين الشعوب. وأن الحاجة ماسة لتحقيق التوازن بين قيم الأصالة والتقدم والتكامل الروحي والدنيوي. كما أن التعارض بين الحضارات السابقة الممتدة إلى يومنا هذا يتطلب حواراً بين الناس، وأن الأديان يجب أن تعمل على تعزيز القيم الأخلاقية، كما أن نزع الخوف من النفوس يجعلنا أكثر قدرة على التفاهم والتأثر. ورأى أحد المفكرين اليابانيين أن أهم تحدٍّ يواجه الأديان اليوم هو ما قد يبدو من أنها غير قادرة على التعامل مع الحضارة الحديثة، وأن الهوة بين الإنسان والآخر وأنماط حياته قائمة منذ حوالي قرن من الزمان. وأكد هذا المفكر أنه متأكد من أن كل ديانات العالم ومنها الإسلام حاولت تبني مفاهيم جديدة، وتغيير تفسيراتها القديمة! وأنه على الأديان أن تساير العصر أو الحضارة الحديثة عبر شرح الأصول الدينية التي يستوعبها الإنسان الحديث. ومن الأهمية بمكان تأسيس مفاهيم السلوك اليومي معاصرة لنمط الحياة الحديثة. وهذا لن يتأتى إلا بالسماح لردود الأفعال المتباينة للأديان والجماعات الإثنية. واعترف الجانب الياباني أن حضارة اليوم تسببت في تلاشي المشاعر الدينية، خصوصاً في المناطق المدنية، ورأى أن على البوذية أن تلحق بالحضارة الحديثة وتعدّل من مفاهيمها كي تردم الهوة بين الإنسان ونظيره في المجتمعات المعاصرة. وفي إشارة ليست بعيدة عن حادثة إساءة بعض الصحف الدانمركية لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، لمسنا أن هناك اتجاهاً -لدى اليابانيين- فيما يتعلق بحرية الصحافة واحترام الأديان، ودور الإعلام ومسؤوليته عن تغطية القضايا المؤججة للخلاف، وإلى أي مدى يمكن للإعلام أن ينتقد الزعماء الدينيين الذين لهم نفوذ أو تأثير سياسي. وكذلك معضلة الإعلام في تغطية الحركات الدينية الإثنية والمتطرفة. نحن نعتقد أن تفسير النص الأصلي، والحواشي التي أدخلت في الأديان أو الممارسات الدينية، وكذلك الإسقاطات غير الملائمة -التي تمت عبر عهود الديانات المختلفة- كانت من أهم أسباب الفرقة والخلافات حتى بين أهل الديانة الواحدة! ويجب ألا يغيب عن بالنا دور استخدام الدين كمطية أو دائرة رهبنة لتمرير الممارسات والأيديولوجيات السياسية. وهذا ما أدى إلى تخلف أوروبا القديمة ودخولها في صراعات دامية حتى تم فصل الكنيسة عن الممارسات اليومية للحكم! وبذلك تحققت النهضة الأوروبية في القرن الثامن عشر وما تلاه! وبالنسبة للثقافة الإسلامية، التي تظلل الثقافة العربية، وجدنا أن رفض الآخر، وسلبية ملاقاة أفكاره، والنظر إليه بدونية، أو تفكيره أو تسفيه آرائه، لم يفد الإسلام في شيء! بل زاد في كراهية العالم للإسلام وللعروبة. ومن هنا، فإن طرحاً جديداً للثقافة الإسلامية يجب أن يؤطر علاقة الإسلام أو المسلمين والعرب بالآخر! وهذا ما أشار إليه خادم الحرمين الشريفين -خلال لقائنا به في الرياض- عن طرح قضية ظل محتفظاً بها لمدة عامين، ثم تلقى الضوء الأخضر من أصحاب الفضيلة العلماء لطرحها على الملأ وهي عقد مؤتمرات بين أصحاب الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) ثم التوجه إلى الأمم المتحدة -وهو يقصد هنا بالطبع إحلال السلام والمحبة بين كافة الأديان. وبدون هذا الطرح سيستمر انغلاق المسلمين على "أمصارهم" و"بلاويهم"، ويستمر تبعاً لذلك الهجوم -من غير المسلمين- على الإسلام والمسلمين، ونعتهم بالنعوت التي لا تليق بهم، وتصويرهم في صور لا يحبذونها! الموضوع الثالث هو العولمة ودورها في محو النزاعات المنادية بصفاء "العروق" أو أفضليتها! وهذا ينطبق على جميع الديانات السماوية الثلاث! وما يشيعهُ ذلك من اتجاهات "فوقية" والنظر إلى بعض المجتمعات الأخرى بنظرة دونية! علماً بأن تلك المجتمعات -ومنها اليابان وماليزيا وتايلاند والصين- دول تختلف أيديولوجياً وعرقياً ودينياً؛ إلا أنها -في ظل العولمة- استطاعت تجاوز مؤثرات الفرقة والتشتيت، وازدهرت اقتصادياً؛ بل إن بعضها أصبح من النمور التي يحسب لها حساب في الدائرة الاقتصادية! كما يُحسب لها في قضية حقوق الإنسان والمواطنة الصالحة، بعكس بعض الدول الإسلامية -التي يعتبر بعضها دولة صوتية- لم تتقدم فيها الصناعة ولا التجارة، وبعضها يئن تحت أنماط حكم توتاليتارية سلطوية، وبعضها أصبح عبئاً على دول أخرى، وبعضها يعاني التفكك السياسي نظراً لحكم القبائل المتناحرة، عدا الانقلابات وفساد الإدارة والفوضى! إن العولمة التي نحن بصددها تلغي جميع الفوارق، مهما اتفقنا على أنها شلال هادر؛ يبتلع الكيانات الاقتصادية الصغيرة، ويؤمن التنوع الإنتاجي التجاري، ويبث الأفكار السياسية الحرة، وإن كان مصدرها الولايات المتحدة والدول الغربية التي نختلف معها في كثير من الأمور! ولقد كان سهلاً على هذه الدول عولمة العالم الثالث غير المتحضر أو القابل للعولمة! وإن كان ذلك العالم متمسكاً بتراثه وديانته وقيمه الأخلاقية! لذلك فإن الحاجة ماسة إلى دراسة أثر العولمة على الدين عامة! في كل البقاع، وأن يصار إلى فهم مشترك للأسلوب الأمثل لمسايرة الدين للعولمة والعكس! ونحن نقر بأن المجتمعات الإسلامية آخذة في "التعولم" مهما كان تمسكها بالدين، وذلك واضح في سلوكيات التجارة والملبس والمأكل واستلطاف أفكار العولمة من ديمقراطية وقبول الآخر والحوار الحر وكذلك الحريات العامة! إن حوار الحضارات يشمل حوار الأديان بالطبع، ولن يكون هنالك حوار ناجح للأديان ما لم يتفهم كل طرف حق الطرف الآخر في إبداء رأيه -المخالف لرأي الأول- ومناقشته انطلاقاً من قاعدة حقه في ذلك الرأي. وبدون ذلك سوف تبقى حوارات الأديان صرخات مدوية في كهوف الطرشان! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. أحمد عبدالملك أكاديمي وإعلامي قطري hamsalkhafi@hotmail.com