زجت طهران بقضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) في الخطاب الديني لها عندما تناول أحمد خاتمي، أحد أبرز الخطباء الدينيين في خطبة يوم الجمعة الماضي، موقف إيران المتشدد من هذه القضية، زاعماً أن هذه الجزر هي جزر إيرانية وستبقى إيرانية إلى الأبد، معنفاً القادة العرب الذين حضروا القمة على إبداء تأييدهم لدولة الإمارات في هذه القضية. وإيران، بهذا التناول، تكون قد استكملت ثلاثية الرد على الموقف العربي الذي دعم حق الإمارات في قضية الجزر الثلاث المحتلة. فقد سبقت خطبة أحمد خاتمي سلسلة من الردود السياسية المتشنجة على لسان وزير خارجية إيران "منوشهر متكي"، وكذلك المتحدث باسم الوزارة "محمد علي حسيني". وعندما تربط إيران قضية الجزر الإماراتية بالدين، فإنها بذلك تعمل على تعقيد العلاقات الإيرانية- العربية، خاصة عندما اتهمت الجامعة العربية بأنها وقعت في الفخ الأميركي؛ لأنها أكدت في بيانها الختامي حق الإمارات في الجزر الثلاث! ولا يمكن لأحد أن يشكك في أن "أدلجة" القضية تمثل الآن التحدي الأبرز للعلاقات العربية- الإيرانية، حتى بالنسبة لأولئك الذين ينادون بالتقارب مع إيران والحوار معها من منطلق التقارب الجغرافي والتاريخي. "أدلجة" قضية الجزر الإماراتية، باعتبار أحدث خطوة إيرانية تجاه هذه القضية، يمكن تصنيفها في أن النظام السياسي في طهران ليست لديه الرغبة والإرادة الحقيقية والصادقة في حلحلة خلافات الجيرة مع الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً، بل ما يمكن فهمه أيضاً من هذه الخطوة، هو أن إيران تعلن تحديها لكل أعضاء الجامعة العربية الذين دعموا موقف الإمارات وحقها في جزرها الثلاث. أرى أن موقف طهران هذا، يمثل إحراجاً متعمداً للكثير من الأطراف العربية التي تنادي بأهمية التقارب مع إيران، الدولة الجارة، والعمل على فتح قنوات الاتصال معها. ولعل أقرب دعوة أستذكرها هنا ما جاء في خطاب الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أمام قمة دمشق الأخيرة وموقف عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو أحد الأشخاص المؤيدين للحوار مع إيران والتواصل معها منذ أن كان وزيراً للخارجية المصرية. هذا علاوة على دول خليجية تتبنى الموقف ذاته في العلاقة مع طهران. ما يدعو إلى الاستغراب والقلق في الموقف الإيراني مع دولة الإمارات تحديداً، هو الرد غير اللائق بالمرة على حسن نوايا دولة الإمارات وتحركاتها الايجابية، خاصة التحركات الأخيرة تجاه إيران. فإيران تعمل على فقدان الأصدقاء بنفس رغبة الآخرين في التواصل معها، بل إنها تعمق مشاعر التباعد تجاهها لتشمل الدول العربية كلها. قد يؤدي التصرف الإيراني إلى تأزم العلاقات العربية- الإيرانية التي بدأت تشهد انفراجاً بسيطاً، لأن ما حدث يعكس إصرار إيران على عدم حل الملفات العالقة مع الدول العربية بل وقطع أي طريق على المحاولات الخليجية والعربية أو أي وساطات، في سبيل إيصال رسالة لكل العرب مفادها أنها غير مستعدة لحل أي خلاف معهم. قد لا تكون هناك مفارقة كبيرة في أن يأتي الحديث عن قضية الجزر الإماراتية المحتلة من على المنابر الدينية، وقد ينطوي على أنه تطور لافت في الموقف الإيراني بحكم طبيعة النظام السياسي الإيراني الذي يربط بين الدين والسياسة ويعتبرهما "وجهين لعملة واحدة"، إلا أن الكثيرين توقعوا أن يأتي الرد الإيراني هذه المرة مخالفاً لما هو معتاد منها، لاسيما أن الموقف العربي هذه المرة كان من دمشق، والكل يعرف قدر العلاقة بين الحليفين، إيران وسوريا، لكن يبدو أن طهران بالفعل لا تقيم وزناً لأي علاقة لا تصب في مصلحتها وتتحرك وفق مصالحها وحساباتها البراجماتية. أعتقد أن على العرب جميعاً التعامل مع إيران وفق هذا المنطق، منطق المصالح، وليس بحسابات العواطف. محمد خلفان الصوافي sowafi@hotmail.com