رقم قياسي حققته حوادث السير، يوم الجمعة الماضي، بوفاة 16 شخصاً وإصابة 21 آخرين جرّاء وقوع 3 حوادث مرورية في أماكن متفرقة من الدولة، هذا الرقم هو مؤشر بالغ الخطورة على تنامي الكلفة البشرية لهذه النوعية من الحوادث التي باتت مصدر قلق حقيقياً. هذا المؤشر وغيره يعكس الواقع المروري المؤلم الذي ينبغي على الجميع مواجهته، باعتبار أن مسؤولية السلامة المرورية ليست شأناً خاصاً بإدارات المرور في الدولة، بل هي مسؤولية "جميع" الأطراف والمؤسسات والأشخاص، ابتداء من الفرد ذاته وانتهاء بجمعيات النفع العام، مروراً بمؤسسات التنشئة الاجتماعية وفي مقدمتها المدارس ودور العبادة ووسائل الإعلام. الأطر القانونية العقابية تبدو كافية لتحقيق نوع من الردع في مواجهة المتهورين والطائشين من السائقين، ولا سيما بعد تطبيق "نظام النقاط السوداء"، الذي أسفر عن تراجع في مجمل المخالفات المرورية بحسب إحصاءات وزارة الداخلية، حيث أكدت هذه الإحصاءات أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في المخالفات الكبرى التي تعد سبباً رئيسياً في معظم الحوادث المرورية القاتلة مثل السرعة الزائدة والقيادة بتهور وطيش، كما تراجعت مخالفات قطع أو تجاوز الإشارة الحمراء بنحو 90% تقريباً في الأيام التي تلت تطبيق "النقاط السوداء" مباشرة. وعلى الخلفية السابقة يتساءل الجميع: أين الخلل؟ وإلى متى سيضطر المجتمع إلى دفع فاتورة الاستهتار المروري من قبل شريحة من السائقين المتهورين؟. في محاولة البحث عن إجابة على هذه التساؤلات يمكن القول بأن النظام المروري الجديد يحتاج إلى مزيد من الوقت لإثبات جدارته وفاعليته، بحيث يتأكّد الجميع من جدية السلطات في التطبيق من دون استثناءات في التنفيذ، وإن كان ذلك لا ينفي وجود حاجة إلى تقييم النظام بين الفينة والأخرى للتعرف إلى نتائجه باستمرار وسدّ أي ثغرات قد تتسبّب في تقليل فاعلية النظام، وبحيث نضمن وصول "الرسالة" ويتأكد الجميع من مستوى الجدية والتشدّد في تطبيق العقوبات. التخلص من موروث متراكم من الاستهتار المروري لن يتحقق بين عشية وضحاها، وإلزام هذا الكم الهائل من ذوي الثقافات من السائقين داخل طرقات الدولة يحتاج إلى الوقت والجهد المتواصل، الذي لا ينبغي مطلقا أن يطرأ عليه أي قدر من الفتور؛ فوقوع الحوادث لا يعني خللاً في النظام المروري الجديد بقدر ما يعني حتمية الإصرار على تطبيقه والتمسك بنهج التشدّد في معاقبة المخالفين كي نضمن أقصى قوة ردع للقوانين، وحتى يتحقق الانضباط التام في الشارع المروري. استمرار الحوادث القاتلة يتطلب أن نراهن بقوة على نشر الوعي المروري وغرس الثقافة المرورية بين جميع السائقين، وهي مهمّة ليست سهلة في ظل هذا الخليط الهائل من الجنسيات التي تختلف أيضاً في مستوياتها التعليمية والثقافية واللغوية بل وفي إدراكها للقواعد والقوانين وردود أفعالها على سلوكيات الآخرين، ناهيك عن أن شريحة لا بأس بها من السائقين تمارس القيادة بذهنية تشبعت بنهج مخالفة القوانين والتعليمات المرورية، واعتادت النظر برعونة إلى قواعد الانضباط والاستخفاف بالغرامات المادية. وقف نزيف الدماء على الطرقات مهمّة تستحق التعاون والتنسيق بين مختلف مؤسسات المجتمع، باعتبار أن المسألة لا تتعلق فقط بالحفاظ على الأرواح، وهي مهمة ذات أولوية قصوى، ولكنْ أيضاً لأن التنامي الملحوظ في معدلات الحوادث يسيء بشكل سلبي إلى مسيرة التنمية في البلاد، من منظور ارتباط الصور النمطية للدول بمكونات ومؤثرات عديدة من بينها السلامة المرورية في الشوارع والطرقات، إذ لا يعقل أن تتمتع شوارع الإمارات بأفضل المعايير والمواصفات العالمية، ثم تتحوّل هذه الطرقات المثالية إلى ساحة يومية للحوادث بسبب استهتار وقلة وعي بعض السائقين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.